بغداد في شكلها السردي الحديث

ثقافة 2020/04/13
...

 باسم عبد الحميد حمودي
 
ندمج في هذا الباب عدة مثابات في مدخل واحد لبغداد ذات المداخل التاريخية السبعة عمارة, ذلك ان الوصف الحضاري والسعي نحو بناء حضارة بغدادية متكاملة يتداخلان مع افكار المثقفين وهم يسعون الى بناء بغداد جديدة تحلم بالايجاب والبناء الديمقراطي .

في هذا الاتجاه تتجسد روايات عراقية واجنبية منها رواية (بريد بغداد) التي كتبها  الكاتب التشيلي خوسيه ميجل باراس بالاسبانية وترجمها الراحل صالح علماني .جسد الكاتب فيها شخصية الرسام التشيلي هو يريكو الذي زار بغداد عام 1961 عند انعقاد مؤتمر اتحاد الطلبة العالمي فيها، اذ عمل مدرساً للرسم في معهد الفنون الجميلة، وبدأ يكتب رسائل عن بغداد  الى والد زوجته، في زمن عبد الكريم قاسم ، اذ وضع رسوماً  لحياة البغداديين واماكن اخرى من العراق ,وكتب عن الصراع بين اليمين واليسار والالتفاف على قانون الاصلاح الزراعي وقيام محافظين عسكريين في المحافظات  بمنع الصحف اليسارية من الدخول  الى محافظاتهم وسط صراع واضح بين الكتل السياسية, اذ تبدو الرواية وصفاً لحياة قائمة دون حركة درامية واضحة.
 ويقدم برهان الخطيب في روايته (شقة في شارع ابي نواس) نماذج من مثقفين يساريين عذبوا واضطهدوا من قبل السلطة عام 1963 كنوع من التوثيق لنماذج من مثقفين اضاعوا الرحمة بحق مجايليهم من فكر آخر,بينما يقدم فاضل العزاوي  صورة للسجن البغدادي الرهيب الذي يقاد البطل اليه دون ذنب، ليكون بعد ذلك قائداً للمجموعة اليسارية التي وضعت في هذا السجن 
لسنوات .
وفاضل العزاوي لا يلعب لعبة السجن ووحشية التعذيب بقدر ما يلعب لعبة التماهي مع الانموذج السائد في السجن والتغلب عليه عبر قيادته. 
 وتبدو رواية (بابا سارتر ) ورديفتها (الركض وراء الذئاب) وهما للروائي علي بدر، حاملتين لصور نماذج من المثقفين وأشباههم , مصطنعو الوجودية في (بابا سارتر) عبر اسماعيل حدوب  ونونو بهار وعشيقها حنا يوسف وسواهم ,في وقت يقوم الكاتب المكلف بتوثيق الاحداث برسم صورة دقيقة لألعاب القدرة والخفة السياسية، اذ يتزيا واحد من الشخوص بأزياء  فكرية متعددة ، تقودنا في الختام الى رؤيته وقد تعمم وطرح الحل الديني بديلاً لكل ذلك الهذر السياسي والفكري السالف،اذ لم يعد للبابا سارتر وجود واضح أو تأثير.
وبدت رواية (الركض وراء الذئاب ) طافحة بحوارات المثقفين والسخرية في بعض صفحاتها من الفهم العراقي للماركسية وتطبيقاتها.
قبيل روايات الربيعي وبدر وباراس كانت اعمال  روائية اخرى قد نشرت لتوثق درامياً جزءاً من الاحداث في بغداد وسواها ومثال ذلك اعمال من نوع (جلال خالد) لمحمود السيد التي صورت نكسة أحلام المثقفين بثورة العشرين ورواية (أفول وشروق ) لخالد الدرة التي وقفت عند الأوضاع الاجتماعية من زاوية محددة في بغداد مطلع القرن العشرين,ورواية دزموند ستيوارت (الانكليزي غير المرغوب فيه) التي تعايشت مع صراعات المثقفين مع السلطة الملكية  وصورت جوانب من الحياة البرجوازية اللاهية.
كان ستيوارت مدرساً في كليتي الآداب ودار المعلمين العالية عندما كتب هذه الرواية,وقد أعطاه جبرا ابراهيم جبرا شخصية (فلنت ) الاستاذ الانكليزي الذي تعايش معه في الكلية  البغدادية الرصينة  في روايته (صيادون في
شارع ضيق).
هذا الشارع هو شارع الرشيد الذي تعايشت فيه الاطر المعمارية الحديثة وعمارة الروكوكو بمحال الفن والفكر اليساري والفنادق الرخيصة  التي يديرها الكلدان القادمون من نينوى وقراها.
في الوقت ذاته نجد أن الكاتبة أجاثا كريستي قد صورت اجزاء من بغداد وفندقي تايكرس بالاس والسندباد الذي اقامت هي فيه عبر كتابتها المادة الدرامية البوليسية لروايتها (جاءوا الى بغداد ) في أربعينيات القرن الماضي.
كان جبرا قد تعرف في هذه الاثناء على السيدة مالاوان في واحدة من سهرات الطبقة المترفة ببغداد دون أن يعلم الا  متأخراً ان  هذه السيدة لم تكن الا كريستي كاتبة الروايات البوليسية الشهيرة .
ان السرد عن بغداد لا يقف على هذه النماذج وفي مقالة أخرى سنتعرض  الى روايات أخرى كثيرة كانت بغداد بدراماها الشديدة الـتأثير واضحة 
المعالم.