{كورونا} .. خلق جديد

العراق 2020/04/13
...

صالح الشيخ خلف
 
أربعة أشهر مرت على انتشار جائحة «كورونا « الذي حصد الآلاف من بني البشر في مختلف قارات العالم وتسبب بخسارة المليارات من الدولارات، الا ان الجميع ما زال يبحث عن اجوبة لاسئلة ما زالت غامضة حتى الآن، كيف انتشر كورونا؟
وهل انه مرض بيئي ام مختبري ؟
ولماذا بدأ في الصين وظهر في ايران قبل ان يصل الى مناطق اخرى؟ .
من يؤمن بنظرية المؤامرة يقول إنه سلاح بيولوجي مصنع في المختبرات الاميركية لضرب الصين وايران، لكنه تسرب بطريقة او بأخرى ليحرق اليابس والاخضر .
في مقابل ذلك يطرح العلماء النظرية البيئية الطبيعية لتكاثر وانتشار الاوبئة، لكن اصحاب هذه النظرية لم يعطوا سبب تكاثر الجائحة؟ وهل انه جاء بسبب طبيعي ام بتدخل الانسان؟ واذا كان بتدخل الانسان، هل انه جاء عن عمد ام من دونه؟ 
وحتى تتوضح الصورة بشكلٍ كاملٍ لايمكن ان نمر مرور الكرام على هذه الاسئلة، لأن البشرية جميعها دخلت الانذار بسبب الفيروس، ومن حقها معرفة الاسباب من اجل وضع حد لأي عبث انساني في حياتها ، او الاستعداد لتكاتف الجهود من اجل الوصول الى لقاحات وادوية مؤثرة لمعالجة الجيل الجديد من الامراض والاوبئة، التي تتطور مع تطور الانسان والحياة، الا ان الثابت انه ألحق خسائر جمة في الاقتصاد العالمي، ومرشح ايضا لخلق مشكلات جديدة في هذا الاقتصاد كزيادة البطالة والكساد الاقتصادي . 
هناك رأيان بشأن بقاء ظروف الازمة، متفائل و متشائم، المتفائل يعتقد ان حدة انتشار كورونا سوف تتباطأ خلال الشهرين المقبليين وتعود الاوضاع الى طبيعتها، تاركة ركودا اقتصاديا يسهل التعامل معه وان طالت ايامه، اما المتشائم فإنه يعتقد أن الركود سوف يلتهم الاقتصاد العالمي لمدة طويلة بعد انهيار اسعار سوق الاسهم والسندات، وان انخفاض الدخل القومي للدول الصناعية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية سوف يترك تداعيات لا يمكن ترميمها بسهولة، وكما قال جيمي دايمن مدير بانك جي . بى موركان» فان النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة سينخفض الى 35 بالمئة خلال الاشهر المقبلة والذي لن ينجو منه مجمل الاقتصاد العالمي» .
وتعمل ثلاث اتجاهات من اجل السيطرة على مرحلة مابعد كورونا لأن الجميع متفق ان مرحلة ما قبل كورونا ستكون مختلفة عما بعدها ، ولذلك تسعى هذه الاتجاهات لادارة المرحلة المقبلة ايمانا منها بقدرتها على البقاء من اجل استمرار مصالحها .
الاتجاه الاول، الذي يعمل من اجل المحافظة على القواعد السابقة من خلال العمل على ايجاد لقاح او دواء يتزامن مع ايجاد حلول اقتصادية للأزمة .
الاتجاه الثاني، الذي تقوده جهات متهمة بالضلوع بشكل او بأخر بانتشار الفيروس كشركات الادوية والسلاح والنفط والمال «الدولة العميقة «، وهذا الاتجاه يحاول البقاء في اي ترتيبات اجتماعية او سياسية او اقتصادية تحاول التاثير في العلاقات الدولية وعلى مرحلة مابعد كورونا حتى وان كان على حساب حياة البشرية والانسانية . 
الاتجاه الثالث، الذي يحاول التشبث بالقواعد القديمة او العودة للقومية او خلق هويات عنصرية جديدة للخروج من الأزمة التي أولدتها العولمة والتي اثرت في حياة الانسان . 
إن «جائحة كورونا « قدحت شرارة النار في الحياة الاقتصادية والانسانية والسياسية التقليدية في العالم الغربي ، وان التنظير للحياة الجديدة لم يعد مرهونا بما تحققه الحضارة الغربية وانما سيكون هناك لاعبون جدد في شرق العالم ينافسون العالم الغربي .
ويبدو ان انهيار الاتحاد السوفيتي وما تبعه من انهيار قواعد الحرب الباردة، لم يكن كافيا لولادة الحياة الجديدة التي تحمل قواعد جديدة للحياة، ان «جائحة كورونا « ستعيد الحياة على اساس القواعد الجديدة التي لم يكن فيها الغرب هو صاحب الكلمة الاخيرة وانما سيكون الشرق شريكا لايمكن الاستغناء عنه . 
العلامة ابن خلدون قال في مقدمته بشأن أهوال الطاعون العام 749 هـ 1384 م على الانسان والعمران الذي سمي في الغرب « الطاعون الاسود» . 
«ما نزل بالعمران شرقًا وغربًا في منتصف هذه المئة الثامنة (يعني المئة الثامنة من الهجرة) من الطاعون الجارف الذي تحيَّف الأمم وذهب بأهل الجيل وطوى كثيرًا من محاسن العمران ومحاها وجاء للدول على حين هرمها وبلوغ الغاية من مداها، فقلص من ظلالها وفلَّ من حدها وأوهن من سلطانها ...  فخربت الأمصار والمصانع ودرست السبل والمعالم، وخلت الديار والمنازل وضعفت الدول والقبائل وتبدل الساكن… وكأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول والانقباض فبادر بالإجابة والله وارث الأرض ومن عليها وإذا تبدلت الأحوال جملة فكأنما تبدل الخلق من أصله وتحول العالم بأسره وكأنه خلق جديد ونشأة مستأنفة وعالم مُحدَث» .
اللافت ان «الطاعون الاسود « الذي تحدث عنه ابن خلدون جاء من منغوليا! .