«كورونا» تسرّع نهاية السينما

الصفحة الاخيرة 2020/04/13
...

علي حمود الحسن
 
يقضي البشر هذه الأيام، معظم اوقاتهم في مشاهدة التلفزيون على خلفية «الحجر الصحي»، بسبب انتشار فيروس كورونا المخيف، وشكلت متابعة نشرات اخبار الوباء والمسلسلات الدرامية، النسبة الأعلى في تاريخ المشاهدة التلفزيونية، وبحسب إحصائية شركة «نيلسن» الأميركية، التي نشرتها جريدة الاخبار اللبنانية، مؤخراً، فإن كوريا الجنوبية حققت ارتفاعاً في نسبة المشاهدة بلغ 17 بالمئة، وفي عموم إيطاليا 6.5 بالمئة، و12 بالمئة في مدينة لومباردي المنكوبة على وجه الخصوص، وتزايد معدل متابعة الأميركيين لما تبثه المنصات الترفيهية الرقمية، الى 42 بالمئة مقارنة بالعام الماضي، هذا التهافت على المشاهدة، ألجأ بعض الدول الاوروبية الى إعلانات في محطات المترو والساحات العامة، تنذر فيها مواطنيها، بالكشف عن نهايات مسلسلاتهم المفضلة وتفاصيل أحداثها المثيرة، في حال خرقهم حظر التجوال.
 من جهة أخرى أعلنت منصة الترفيه الرقمية «أي.بي. أو»: «أنّ نسبة مشاهدة نتاجها، ارتفعت الى 40 بالمئة، منذ 14 آذار الماضي»، لتبلغ ذروتها في الأسبوع الماضي، بشكل غير مسبوق منذ إطلاق مسلسلها المشهور «صراع العروش» الأكثر مشاهدة في عصر تلفزيون الانترنت، خصوصاً ما اصطلح على تسميته بـ «المشاهدة القهرية للمسلسلات»، التي تعني متابعة ثلاث حلقات، او أكثر دفعة واحدة، وهذا ينطبق على منصة نتفليكس، التي ارتفعت اسهمها وازدادت أرباحاً، ما دعا الاتحاد الأوروبي الى الطلب منها عدم بث أفلامها ومسلسلاتها بجودة عالية، كي لا تنهار شبكة الانترنت، بسبب الكم الهائل من «التحميل».
هذا الاقبال غير المسبوق على مشاهدة المسلسلات من خلال تعدد الشاشات، تزامن مع توقف الإنتاج السينمائي، واغلاق دور العرض، وبذلك تحققت نبوءة قديمة أطلقها متشائمون، على خلفية انتشار التلفزيون في خمسينيات القرن الماضي، مفادها: «ان الوافد الجديد بشر بموت السينما»، لكن هذا لم يحصل، إذ جددت السينما نفسها، من خلال ابتكار تقنيات وأساليب جذب استمرت ليومنا هذا ، لكن فيروس « كورونا» سرّع من هذه النبوءة المؤجلة وأعاد ظهورها من جديد، وهنا يبرز سؤال: لماذا تراجع الفن السابع وفقد جمهوره لصالح التلفزيون ووسائط الانترنت الأخرى، التي تشظت شاشاتها وتعددت؟، والجواب يعود الى تلاشي المسافة الفاصلة بين هذين الوسيطين.
 فالسينما التقليدية كانت تعتمد على كاميرا واحدة، والتلفزيون يستخدم أكثر من واحدة لتصوير مشاهده، السينما لها طقوس خاصة؛ من ظلام وجمهور يبحلق، فضلاً عن الصوت المنبعث من كل الجهات، على العكس من الجلوس في البيت والنظر امام الشاشة الصغيرة ؛ بلقطاتها القريبة وحواراتها الطويلة، وكل هذا انتهى بدخول الكاميرات الرقمية الى استوديوهات الدراما وتوجه شركات الإنتاج الكبرى الى الاستثمار فيها، و هرع نجوم هوليوود الكبار الى العمل في منصات البث الكبرى؛ فضمنوا الشهرة(مشاهدة كونية ) وأجوراً لا تقل عن ما تقدمه هوليوود لهم، وقد تنبأ اثنان من اهم مخرجي هوليوود بنهاية السينما، هما مارتن سكوسيزي وتارنتينو، ففي رسالة مفعمة بالمشاعر أرسلها سكوسيزي الى ابنته الصبية فراشيسكا، قال: 
« أدركت على مدى السنوات القليلة الماضية، أن فكرة السينما التي كبرت معها، تلك الموجودة في الأفلام التي عرضتها لكِ منذ أن كنت طفلة، وتلك التي كانت مزدهرة عندما بدأت بصناعة الأفلام، تقترب من النهاية. لست أشير إلى الأفلام التي تمت صناعتها. 
أنا أشير إلى ما هو قادم منها في المستقبل، وانا لا أقصد أنْ أكون يائساً، لا أكتب هذه الكلمات بروح الهزيمة، بل على العكس، أظن أنَّ المستقبل مشرق».