حسين السلمان
كثيرة هي الاعمال السينمائية التي تنتمي إلى ما يسمى أفلام الطريق، متخذة من هذه الطريقة مجالاً واسعاً في انشطار وتشظي الأحداث، من أجل الحصول على أكبر عدد من طرق السرد ومن أساليب الحكي، معتمدة على تنوع ما يحصل في الطريق واستخدام أفضل لدخول شخصيات وخروجها حسب مقتضيات الحكاية القصصية، ونرى فيها حالات متنوعة ومتغيرة ترحل فيها الشخصيات من أجل اكتشاف ما يحيط بها، فالطريق هنا يعد شخصية درامية تسهم في دفع الحدث الفيلمي وجعل المكان(الطريق) فاعلاً في البناء الدرامي.
شحنة العاطفيَّة
و»الحقيبة» الذي اخرجه وكتب السيناريو له علي عيدان وصوره حسان الاسدي ومثل فيه عصام كاظم ، ينتمي الى هذا النوع ، ألا انه اتخذ منحى آخر، فاعتمد المكان الواحد المتحرك(حوض شاحنة متحركة) في داخله شخصيات ثابتة، تتداول الحدث طبقاً لما في داخلها من معاناة،أغلبها يتقدم عبر الصورة السينمائية وانحسار واضح للحوار، حتى الحوار اراه يذهب نسبياً إلى السرد الصوري الخالص، فهو يميل الى عرض الأحداث وتقديم الشخصيات من دون غموض، فكل شيء يبدو واضحاً وسهلاً ومفهوماً، لكن تكمن في داخله تلك المشاعر والأحاسيس الإنسانية النبيلة، لمجموعة حيوات كل منها تعيش في عالمها الخاص.
ضحايا الحروب
يتحدث الفيلم عن ضحايا الحرب الأموات (أب الطفلة) وعن أحياء الحرب( الجندي،الأب والزوجة) وعن دمار وأمراض تجعل المرء عاجزاً (الأب)، ومتطلعاً لحياة جديدة (الأرملة) وإنسان يريد استعادة حياته(الطفلة)، وآخر ينظر متعباً الى المستقبل من دون أي ماض ، ألا انه عالق به(الجندي)، تاركاً كل ما بحوزته (الحقيبة والبيرية - طاقية الرأس) وهذا كل تاريخه المدني والعسكري، ذاهباً إلى حيث لا ندري، وربما هو أيضاً لا يدري، شيء ما أمامه، نحن لا نراه، ربما هو لا يراه، فثمة إنسان يحمل تراب الحروب ويسير إلى حيث لا يعلم، وتنتهي الأحداث بذات الإشكاليات، بذات المعاناة والآلام والأحزان، فالمرأة تشم عطر ماضيها (ملابس الجندي في الحقيبة التي تركها في حوض الشاحنة)،فالأب يغرق في مرضه، والطفلة بأملها البريء تتطلع لمستقبل ما بتلك الحركة التي علمها إياها الجندي، وهي حركة مستمدة من فيلم «تايتنك»، فهي تشبه حركة جان فاتحاً يديه متطلعاً لحرية قادمة ولمستقبل جديد، وهو تناص جميل استفاد منه المخرج للتعبير عن مشاعر شخصياته التي جاءت متماسكة، تحمل كل منها عالمها الخاص وتترابط بعلاقات روحية مع الآخرين، ان هذه الشخصيات الأربع شكلت وحدة موضوعية للفيلم وجعلت من أحداثه سلسلة تترابط فيما بينها بشكل وثيق، فهناك استفادة واستغلال لكل العناصر الداخلة في بنائية المشهد، إلا استخدام (البيرية )في نهاية الفيلم التي لم تكن من ضرورات البناء ولا من اشتراطات الرموز.
تشكيل وبناء
إنَّ خروج الفيلم عن الكثير من وحدات البناء التقليدية فتح المجال أمامه للدخول مباشرة بالحدث، بإلغاء التمهيد، مفتتحاً البداية بلقطة قريبة تضم قدمي الجندي بحذائه العسكري وهو يضرب أرضاً جرداء، فقد تم بناء الفيلم على وحدة اللقطة العامة، وهي الأكثر في العدد والاطول زمناً، وحتى في تقلب زاوية الكاميرا، التي غالباً ما تكون مرتفعة، فالمخرج حسب رؤيته وخطته الإخراجية لديه ميل واسع في استخدام اللقطة العامة، وهي واحدة من المهمات الكبيرة، التي تحتاج إلى مهارة فائقة في التناسق والانتقال من لقطة إلى اخرى، ضمن سياقات الإخراج والمونتاج والتي أخذت حالة التعريف بالمكان(مكان تواجد الشخصيات)وتعريف بالمكان العام المتحرك.ان هذا الاشتغال خلق لنا حالة من التصادم في أحجام ومضامين اللقطات.وهو في تصوري عمل على أداء جملة من المهمات التي ساعدت المخرج في تقديم حكاية سينمائية واضحة المعالم،تحمل في داخلها عمقاً إنسانياً كبيراً متجسداً في تشكيل اللقطة التي منحت الفيلم شحنة عاطفية جميلة،واسهمت بقوةالموسيقى التصويرية التي لامست ذلك الوجع الكامن في أرواح الشخصيات.
عناصر الممثل
يمتلك الممثل علي عصام قدرة تعبيرية متدفقة ومتوثبة منسابة على شكل طاقة جاذبة يفجرها بحركة جسده،وهو الشكل التعبيري في التمثيل، خاصة العينين، حيث تتدفق منهما الأحاسيس والمشاعر الصادقة، باعتبارهما مرآة الروح، فهو يقدم نفسه عبر حالة تعبيرية غاية في الهدوء،لكنها عاصفة تنبع من الداخل إلى الخارج.وهو ممثل تتصارع في داخله مشاعر حقيقية،وحينما تتمدد فانها تخرج مكتوية بلهيب الألم،متجسدة بحركات تعبيرية من خلال العينين والوجه، التي تخلق صلة قوية بينها وبين المتلقي الذي يتفاعل ايجابياً مع كل اشتغالات الممثل علي عصام، منتظراً منه الكثير في أدائه المتميز بالعذوبة وسرعة التعاطف معه.
سينما زمان
يوم صفعت تحية كاريوكا نجم هوليوود ذاني كاي في «كان» 1956، شارك الفيلم المصري «شباب امرأة» (1956) للمخرج صلاح أبو سيف في مهرجان كان السينمائي بدورته التاسعة، وضم الوفد، يومئذ بطلة الفيلم تحية كاريوكا، وممثله الأول شكري سرحان، والممثلة المساعدة شادية، وكاتب حواره سيد بدير، فضلاً عن مخرجه أبو سيف، وترشح الفيلم للمسابقة الرسمية من بين 39 فيلماً، الا ان حدثاً دراماتيكياً حصل في أروقة المهرجان قلب الأوضاع رأساً على عقب وضاعت فرصة « شباب امرأة» في الحصول على أي جائزة، اذ ردت كاريوكا الممثلة والراقصة سابقاً( اعتزلت الرقص في العام 1950)، والمعروفة بحديتها ووطنيتها ولسانها السليط المدرب في عوالم شارع محمد علي، على الممثلة الأميركية سوزان هيوارد ، واسمعتها ما لم تسمعه في حياتها من «ردح العوالم» وبلغة انكليزية فصيحة، وكانت هيوارد قد اسمعت الوفد المصري كلاماً نعتت فيه العرب بأقصى العبارات، قبل ذلك تجاهل منظمو المهرجان الصحفيين السينمائيين المصريين ولم يلقوا حفاوة الوفد الإسرائيلي، الذي استأثر باهتمام الجميع، وقتها كان الاوروبيون مشحونين ضد العرب على خلفية ازمة السويس، فما كان من تحية كاريوكا الا ان ارتدت الزي البلدي بلفة العباءة المشهورة والشبشب» أبو وردة حمرة»، فخلبت باب المدعوين وهي تتمايل بمشيتها المغناج، ولم تكتف بذلك، بل وجهت صفعة الى خد الممثل الكوميدي اليهودي داني كاي الذي هرع لمساندة زميلته ، فانسحب مذعوراً قبل أن يناله ما هو اكثر.