ثقافة الكمامات!

الصفحة الاخيرة 2020/04/14
...

حسن العاني 
 

اللهم اجعلها برداً وسلاماً على الشعب العراقي وعلى الانسانية جمعاء، فليس مثل الكورونا وباء اجتمعت له من المخاطر الجسيمة مالم تجتمع لغيره على امتداد التاريخ، فهو (مرض واقتصاد وسياسة)، ثلاثة اضلاع لو افلتت البشرية من احدها تلقفها الاخر بالفتك او الموت او الجوع، ومع ذلك فان لهذا الوافد الذي لا يخفي عداءه بل يجاهر بعداوته، وجهاً اخر يتسم (بالطرافة) ، وكأن القول المأثور (شر البلية ما يضحك) قد قيل فيه وفي امثاله...
• في محلتنا الشعبية بدأت الناس من باب المداعبة والمزاح تسميه (محمد كمامة) ولم يكن الرجل يغضب ، وآية ذلك إنه لا يرفع الكمامة عن وجهه سواء في داخل بيته ام في خارجه، واشهد ان تمسكه بهذا السلوك منذ الايام الاولى لوصول كورونا الى العراق، قد كان له تأثيره الكبير في أفراد اسرته و جيرانه وفي رجال الطرف، شبابه وحبيته، لان تمسكه بالكمامة التي اصبحت بمرور الوقت جزءاً من شخصيته، كان مصحوباً بأمرين، أولهما تقديم التوجيه والنصح لارتدائها، شارحاً بلغة فيها مزيج من العلم والطب والدين اهمية الوقاية من هذا المرض الخبيث بطريقة سهلة ومتوفرة ورخيصة الثمن، وثانيهما اللجوء الى القوة والتأنيب والعنف، حتى إنه كان يغضب او يظهر غضبه العظيم لو عاند احدهم او تقاعس عن استعمالها... وهكذا نجح في اشاعة ثقافة الكمامة نجاحاً استحق عليه الشكر وزاد من احترامه!
صادف أن دعاني مرة الى مرافقته في جولته الليلية التي اعتاد على القيام بها كل يوم، حيث يقطع مسافة تقرب من 3 كيلو مترات للذهاب ومثلها للاياب، وكان هذا الطقس الليلي كما اخبرني يعوضه عن انواع الفعاليات الرياضية التي لا غنى عنها لنشاط الجسم والذهن والدورة الدموية على حدّ تعبيره.. بالطبع لم ارفض دعوته لكوني امارس رياضة المشي مثله، ولكن الى مسافة لا تزيد على كيلو متر واحد..
انطلقنا ونحن نرتدي الكفوف والكمامات بالطبع، وحافظنا قدر الامكان على وضع مسافة مقبولة بيننا... وامر بديهي ان نتنقّل في احاديثنا من قضية الى قضية، واكتشفتُ إن لهذا الرجل وجهاً بعيداً عن الذي اراه في المحلة حيث الجدية والتشدد واستعمال العنف الكلامي مع من لا يراعي الظرف الصحي الحرج للعراق والعالم في ظل كورونا... إنه كيان انساني مجبول على المرح، والغريب إن (النكتة) جاهزة على طرف لسانه... ففي طريق عودتنا استأذنني لكي يدخن سيجارة، وقد فوجئت بأنه يدخن من دون ان يرفع الكمامة عن فمه... ولم يطل استغرابي، هو الذي اوضح لي بأنه صنع ثقباً في الكمامة يسمح له بالتدخين.. واستقبل الليل ضحكة انستنا مخاوف الوباء!!
• قبل وصولنا الى النقطة التي انطلقنا منها، كنا نتحاور في الاجراءات التي اعتمدتها (خلية الازمة) وقد اثنى عليها الرجل ثناء عظيماً وقال: أنا مع دعوتها المتشددة لاستعمال الكفوف والكمامات والتعقيم وغسل الايدي وتجنب الاختلاط وملازمة البيت والى اخر الارشادات المهمة، ولكن الخلية مع الاسف لم تكن موفقة في منع (التقبيل.. شلون يصير ماكو بوس يا استاذ) و.. واستقبل الليل ضحكة اقوى..