هل العراق بحاجة الى اوبك؟

العراق 2020/04/15
...

 
د. ابراهيم بحر العلوم 
 
يطرح المهتمون العديد من علامات الاستفهام عن جدوى بقاء العراق في الاوبك في ظل هيمنة سياسات المنتج الاكبر ما يجعله في مهب الريح، فاوبك قاطرة تقل اثني عشر راكباً يفترض انْ تكون لديها خارطة طريق واضحة ومسارها متفقاً عليه ومهمتهاالحفاظ على سلامة القاطرة وراكبيها، امّااذااراد سائق العربة ان يتجه بها وبركابها في التحول الى سكةٍ اخرى في اجتهادٍ يعتقده مناسباً، لكنه ليس بالضرورة صالحاً لبقية الاعضاء ما لم يتم الاتفاق عليه مسبقاً، بما يمثل تجاوزاً على العراق باعتبارهِ المُنتج الثاني في المنظمة في المشاركة بالقرار، وبهذاالسلوك تكون السعودية قد تخلت عن دورها في الدفاع عن مصالح الاعضاء مُجتمعين. لقد اصبح واضحاًانّ اوبك لم تعد قادرة على استعادة قدرتها في السوق النفطية بالآليات المتبعة وخاصة في السنوات الاخيرة، وثمة قناعة منذ عامي ٢٠١٤و٢٠١٥ انّ هناك لاعبين اساسيين آخرين في السوق يجب التفاهم معهم للحفاظ على الحصة والاسعار المجزية ومنهم روسيا. وقد كان للتفاهم الروسي السعودي الدور في رسم ايقاعات اسعار النفط للاعوام من 2016 الى 2019، ولعبت دولة قطر دوراً في استضافة اول اجتماع للاعبين الاساسيين صيف 2016 قبل اجتماع الجزائر.
وقد اسهم هذاالتفاعل في الحفاظ على توازن اساسيات السوق متجاوزاً مواجهة الصراع مع زيادة انتاج النفط غير التقليدي في الولايات المتحدة. فقد استثمر المنتجون في الولايات الاميركية قضيتين رئيستين في تعظيم انتاج النفط الصخري الذي واجه انتكاسة بانخفاض معدلات انتاجه في عامي 2014-2016 ليصل الانتاج الى معدلات دنيا حوالي 8.5 مليون يومياً.
وهنا مسألتان مهمتان تنبغي الاشارة اليهماالاولى انّ التفاهم الروسي السعودي شجع على تحقيق زيادة في انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة محققاً في منتصف عام 2018 انتاجاً مماثلاً لروسيا والسعودية (حوالي 10.5 مليون يومياً)، واستمر في تجاوز انتاج كلاالمنافسَين متربعاً على صدارة المنتجين في العالم حتى اذار 2020 وبفارق يصل الى اكثر من مليوني برميل يومياً. والمسألة الثانية تمثلت في نجاح الولايات المتحدة في نفس الفترة من تحفيز المستثمرين عندما رفعت الحظر عن تصدير النفط الخام والمشتقات النفطية الاميركية منذ 2017. وبهذا تكون الولايات المتحدة قد تمكنت من زيادة استثماراتها في النفط الصخري والتربع على صدارة الانتاج النفطي العالمي ليلامس انتاجها 13 مليون برميل يومياً بعد انْ كانت معدلاته تقل عن 6 ملايين برميل يومياً عام 2008، فضلاً عنانها باتت تنافس الدول الاخرى على صادراتهاالنفطية لتصل الى حوالي 4 ملايين برميل يومياً. وكان من المتوقع قبل تفشي وباء كورونا ومع افتراض استمرار السياسة السعودية الروسية بالالتزام بالتخفيض ارتفاع انتاج النفط الصخري بنفس المعدلات لتصل في عام 2023 الى مستوى 18 مليون برميل يومياً. لذا لجأت السياسة الروسية في ظل التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا وتدني الطلب على النفط وخاصة من دول شرق آسيا وارتفاع مستويات الخزين، لابداء معارضتها للاقتراح السعودي في الاستمرار بنفس المنهج والسماح للولايات المتحدة باستثمار السوق على حساب تقليص الانتاج من جانب اوبك +. وكانت روسيا على استعداد لمواجهة تداعيات ردة الفعل السعودية والاميركية.
التحالفات النفطيًّة بعد أزمة كورونا
ستختلف معالم سوق النفط في عالم ما بعد كورونا كلياً عما كانت قبل ذلك، ولا يمكن للولايات المتحدة ان تستثمر تقليص انتاج دول اوبك + دون ان يطال ذلك المنتجين في اميركا وكندا وباقي الدول، فهناك ثلاثة لاعبين اساسيين في المشهد النفطي، اثنان منهم يتفقان في تحجيم فرص الاستثمارات في النفط غير التقليدي للمحافظة على حصصهم في السوق، والاخر يرى انّ النفط الصخري هو الرافعة للاقتصاد الاميركي والهيمنة على السوق النفطية. وقد ادى الرفض الروسي للاقتراح السعودي في اذار 2020 الى زعزعة الاستثمارات النفطية في الولايات المتحدة فانخفض عدد الحفارات في الولايات المتحدة بسبب انهيار الاسعار وستبقى هذه التداعيات لفترة لا تقل عن عام او اكثر قبل ان تعاود الاستثمارات من جديد نشاطاتها لزيادة الانتاج من النفط الصخري ليدشن انطلاق الموجة الثالثة في 2021. في ظل الاوضاع التي يعانيهاالعالم بسبب فيروس كورونا والصراع بين كبار المنتجين في العالم وضعف اداء المنظمات الدولية في التنسيق والتوجيه، لابد من العمل على استقرار السوق من خلال:
1 - على المستوى الدولي: صياغة اطار جديد يجمع كل الدول المنتجة للنفط التقليدي وغير التقليدي ويُصار الى نظام داخلي يضمن مصالح اعضائه ودون الاضرار بالدول المستهلكة.
2 -في اطار اوبك: كشفت الازمات الراهنة انّ المنظمة ما عادت قادرة على التحكم في السوق النفطية مااضطرها للتفاهم مع روسيا وحلفائها بشأن سقوف الانتاج للحفاظ على الاسعار، لذلك على الدول الاعضاء مراجعة اداء المنظمة وخاصة ونحن على اعتاب الاحتفاء بميلادهاالستين لمناقشة جدوى بقاء هذاالاطار بشكله الحالي لتحقيق مصالح الاعضاء وخاصة بهيمنة كبار منتجيهاعلى سياساتها وعلينا تقييم الخطوة التي قامت بها دولة قطر في العام الماضي حيث اعلنت انسحابها من اوبك وانها لا ترى في هذاالاطار وسيلة لضمان مصالحها.
3 -اما على صعيد العراق: ورغم زيادة انتاجه النفطي الى معدلات جعلته المنتج الثاني في المنظمة والخامس عالمياً، لم تستطع الحكومة العراقية بلورة سياسة نفطية واضحة لا على المستوى الوطني ولا على مستوى اوبك او المحافل الدولية، بل بقيت صياغة هذه السياسة مرحلية واسيرة الاجتهادات وهذا ما يضر بمصلحة العراق واقتصاده. لقد افتقر العراق الى المبادرات التي من شأنهاان تدفع به ليلعب دوراً جديداً يتناسب والمتغيرات السياسية والاجتماعية التي طرأت في المنطقة، مع عدم اغفال وجود محاولات من بعض الدول الاعضاء المؤثرة في المنظمة في الحيلولة دون اعطاء العراق الدور في رسم سياساتها. وفي مقابل ذلك، اخفق العراق في التلويح برد فعل مهما كان حجمه على مثل هذه المحاولات. وعلينا تشخيص نقاط الخلل من جانبناحيث اصبح من الصعب اقناع المهتمين بالقدرة التفاوضية العراقية في داخل المنظمة او خارجها لخلق البدائل، ورغم توفر بعض الفرص للعراق فانّه يحتاج الى خلق محور داخل المنظمة يكون قادراً على كسر احتكار القرار 
في المنظمة.
لقد آن الوقت للعراق لوضع رؤية ناضجة للسياسة النفطية قادرة على حفظ مصالح البلد وباتجاه صياغة تحالفات جديدة من شأنهاان تكون قراراتها ضامنة لمصلحة اعضائها والعمل على استقرار 
السوق.