«كورونا».. أكثر 4 دول تعرف بالكرم وحسن الضيافة

من القضاء 2020/04/17
...

لندن/ بي بي سي
 
 
خلال انتشار فيروس كورونا، شهد العالم ظهور نماذج واضحة للتآزر، منها غناء الإيطاليين معاً من شرف منازلهم، وتصفيق الناس تعبيراً عن الامتنان للعاملين في المجال الطبي والذين يعملون في الخطوط الأمامية لمواجهة هذا الفيروس. وتجعلنا تلك النماذج نشعر بأننا أكبر من هذه الأزمة وأننا نستطيع معا التغلب على مخاوفنا.
«فيلوكسنيا»، اليونان
في اليونان عادة ما يُستقبل الضيوف بحفاوة، وسرعان ما تتحول دعوة على العشاء البسيط إلى مأدبة كاملة لا يفرغ فيها كأس النبيذ المقدم للضيف، بل يواصل المضيف صب المزيد. وبينما تتسم كثير من الثقافات اليوم بذلك، إلا أنَّ المتفق عليه على نطاق واسع هو أنْ مهد الحضارة الغربية هو بلاد الإغريق التي ابتدعت هذا التقليد.
وفي بلاد الإغريق قديما اعتبرت ضيافة الغرباء نوعاً من إرضاء الآلهة، خاصة «زيوس إكسنيوس»، إله الغرباء والأجانب، فقد كان على المضيف أنْ يستقبل الطارق إنْ جاءه منهكاً مقدماً له الطعام والمأوى قبل توجيه أي سؤال، حتى وإن كان غريباً عليه تماماً.
وبالمقابل، يتعين على الضيف أنْ يظهر الاحترام لمضيفه وألا يمكث إلا قدر الحاجة. ولو لم يحترم الضيف أو المضيف واجب الضيافة ففي ذلك إساءة تجلب غضب «زيوس إكسنيوس».
وشاع في تلك البلاد تقليد «الفيلوكسنيا»، ويعني باليونانية «محبة الغرباء»، ونجد صورا له في أعمال هوميروس الأدبية، ففي الأوديسا نرى بطل الملحمة يرتحل بلا كلل بحثا عمن يضيفه في درب العودة إلى دياره في إيثاكا. وفي الإلياذة، نرى ردة فعل اليونايين للانتهاك الصارخ لأصول الضيافة خلال حرب طروادة والتي دارت رحاها بعد أن «سرق» باريس زوجة مضيفه، هيلين الإسبرطية.
وإضافة إلى حسن استقبال الضيوف اليوم يظهر هذا التقليد في اليونان في بعض اللفتات كالتبسم للأغراب أو مرافقة السائل إلى وجهته بدلا من الاكتفاء بتوجيهه.
 
«تعارف»، إيران
عادة لا تبدأ بشائر الثلوج في مدينة مشهد الواقعة بين الجبال شمال شرقي إيران إلا في كانون الثاني، لكن بدءا من كانون الأول يشعر الناس بشدة البرد في ثاني كبرى المدن الإيرانية. ويعتقد أن أحد السكان المحليين أخذ على عاتقه في ديسمبر 2015 مساعدة المشردين الكثيرين في المدينة عن طريق رسم جدار بألوان زاهية ووضع شماعات يمكن تعليق ملابس عليها، وكتب إلى جوارها عبارة: «اترك ما لا يلزمك، وخذ ما تحتاج!»
وتبرع السكان بملابس شتوية لا تلزمهم، وسرعان ما انتشر الأمر على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشرت الجدران التي أصبحت تعرف بـ»جدران الكرم» بأنحاء إيران وخارجها، واتخذت الظاهرة أشكالا شتى.
وبدأت المخابز في وضع سلال خبز خارجها يأخذ منها المحتاج. وكتب العازفون الذين يُلقي لهم المارة النقود في الشوارع، لافتات تدعو المحتاج لأخذ ما يحتاجه من نقودهم. وأخذت محال الوجبات السريعة في طهران تطبق نظاما يمكن الزبائن من دفع ثمن وجبة لشخص غير قادر، ما يشبه تقليدا إيطاليا يدفع فيه الإيطاليون ثمن القهوة لغير القادرين، وهو تقليد تم إحياؤه في نابولي قبل عقد من الزمن.
ورغم حرص الثقافة الإسلامية عموما على أهمية الصدقة، فإنَّ تقليد «جدران الكرم» هذا يُستمد من الثقافة الفارسية التي تحتفي بأعمال الشعراء القدامى، مثل ابن الرومي، والتي أكدت على أهمية اللطف والكرم. وتظهر روح السخاء في أصول اللياقة الفارسية المعروفة باسم «تعارف»، والتي يعد الأدب فيها من دواعي الشرف في المعاملات الاجتماعية. ورغم الصعوبات التي تواجه إيران حاليا بسبب تفشي وباء كورونا، ما زالت أصول الكرم تجاه الغرباء مستمرة.
 
«أوبونتو»، جنوب أفريقيا
تستخدم كلمة «أوبونتو» في مجموعة لغات نغوني التي يتحدث بها بعض أوائل الشعوب التي سكنت أفريقيا. لكن الكلمة لم تظهر مكتوبة إلا بمنتصف القرن التاسع عشر، قبل أن تبرز خلال انتقال جنوب أفريقيا من نظام الفصل العنصري إلى ديمقراطية تشمل جميع الأعراق.
وهناك مثل شعبي يعبر عن مفهوم الأوبونتو يقول «الناس بالناس»، بمعنى أن الشخص لا يكون شخصا إلا بين آخرين. وكتب نيلسون مانديلا ذات مرة قائلاً: إن الأوبونتو هو «ذاك الإحساس العميق بأن إنسانيتنا لا تتحقق إلا بإنسانية الآخرين، وأن غاية ما ننجزه من أمور في الدنيا يعود ولو جزئيا لما أنجزه غيرنا».
وقد أكد الأسقف الجنوب أفريقي ديزموند توتو على مفهوم الأوبونتو خلال قيادته للجنة الحقيقة والمصالحة في البلاد في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، استلهاما للفكر المسيحي الداعي للغفران والمصالحة والتعايش السلمي. 
وفي تصريح يحمل صدى خاصا الآن ونحن في عام 2020، قال توتو يوما إن «الأوبونتو يؤكد حقيقة أنه لا سبيل لأن يعيش المرء بمعزل عن غيره، بل يؤكد على تواصلنا، إذ لا سبيل لأن يكون المرء إنسانا بمعزل عن العالم. ومن يتسم بهذه السمة، بالأوبونتو، يعرف برحابة 
صدره».
 
«أوموتيناشي»، اليابان
كثيرا ما توصف اليابان بأنها أكثر دولة مهذبة في العالم. وينبع إرث الضيافة وبذل الذات في اليابان من تقليد يعرف بـ«الأوموتيناشي»، الذي يعني «روح الخدمة»، وهو ركيزة من ركائز الثقافة اليابانية ويتجسد في طقوس الشاي اليابانية التي تعود لقرون والمعروفة باسم السادو. وخلال طقوس السادو، يحرص المضيف على تقديم أعلى درجات العناية بالضيف دون أن يتوقع شيئا بالمقابل. وبدوره يعي الضيف جهد مضيفه ويتجاوب بإجلال جم، ما يخلق جوا من الوئام والاحترام بينهما.
وبات الأوموتيناشي يجسد أسلوب حياة في اليابان، فالعاملون بالمحال والمطاعم يحيون الزبائن بترحاب خاص أثناء دخولهم، والقائمون على تنظيف القطارات اليابانية ينحنون للركاب وهم يستقلون القطار، فيما يفتح سائق الأجرة الباب تلقائيا لراكبه.، أما الغرباء فيحظون بمستوى أرفع من الأدب والأجانب يُحتفى بهم بشكل خاص.
وهناك أيضا تقليد يعرف باسم الـ «سنبتسو»، ويتمثل في إهداء هدايا للمسافر أثناء توجهه لعطلة، وللعامل حين يترك وظيفته. 
ويعود التقليد لعهد بعيد حين كان يتم توديع المسافرين بالهدايا لتعينهم على تحمل مشقة 
الرحلة.