في غمرة الحزن الذي يلف العالم هذه الأسابيع اختارت فنانة تشكيلية يابانية، بعمر الحادية والتسعين، أن تقف في الجانب المشرق من الحياة مقابل تعاسة الألم والخوف المستبدة بالمجتمعات. تستعيد فجأة يايوي كوساما (تولد 1929)، بخطاب لها جاء على هيئة الشعر، في هذه الظروف، حماستها الستينية وطموحها الثوري المتوهج آنذاك، بستينيات القرن العشرين، فتوجّه أمراً صارماً لكورونا:" اختفِ من هذه الأرض".
يايوي كوساما اليابانية هي فنانة متنوعة؛ نحاتة، ورسامة، وشاعرة، وسينمائية، ومهتمة بالأزياء وبفنون أخرى، حسب تعريف ويكبيديا بها، وخلال أعوامها التي نافت على التسعين تمكنت الفنانة بحيوية مثابرة من أن تكون بين الطليعة من التشكيليين الذين قدمتهم اليابان إلى العالم المعاصر.
الإشارة في هذا المقال لحماستها الستينية تعود إلى تجربة حياتها وانجازها التشكيلي في أميركا بعدما غادرت عام 1959 بلدها وانتقلت للإقامة في نيويورك، حيث استقرت هناك طيلة عقد الستينيات، فكانت جزءاً من الجهد الطليعي الستيني باندماجها وفاعليتها في مشهد الثقافة المضادة آنذاك، فكانت بعضاً منتجا في فن البوب، ثم هي بعضٌ من حركة الهيبيز في أواخر ذلك العقد، حيث نظمت سلسلة من الفعاليات التشكيلية التي أبرزتها كفنانة حيوية بإنجازها المغامر وكإنسانة طليعية بوثوبها الثوري المتناغم مع زمنها وجيلها.
النبرة الستينية الثورية هي السائدة في الجمل القصيرة لخطابها الشعري المضاد لكورونا، ويأتي هذا بلغة تستنهض القاموس التعبيري الستيني بنزعته المقاومة والمؤشِّرة دائماً إلى روح الثورة والاعتراض والثقة بالمستقبل، هذا هو فحوى خطاب كوساما الذي قدمته كرسالة موجهة للمرض، تقول كوساما:" اليوم، مع مواجهة العالم
لـ Covid-19 ، أشعر بضرورة مخاطبته بهذه
الرسالة".
لا تقف الفنانة اليابانية عند شيخوختها المهدَّدة، كما هو الحال في معظم البلدان تحت وطأة الفيروس وفي ظروف عجز كثير من المؤسسات الصحية عن تأمين العناية الصحية للجميع، لكن الفنانة تنهض بعزيمة تلك الروح المقاومة وهي تتطلع لغد مشرق من أجل بلوغ سلام العالم.
عُرفت كوساما برسومها التجريدية التي تكتفي عادة بلون واحد أو لونين، وهذا ما دأبت عليه حال وصولها نيويورك، مستلهمة بذلك تجارب الانطباعية الأميركية التجريدية، ومستفيدة من خبرتها في الرسم الياباني التقليدي المعروف بـ (نيهونجا)، وتكرّست بهذا كفنانة مهتّمة بالفن المفاهيمي، ومنفتحة على تجارب السريالية بأثر نسوي واضح ومحتشد عادةً بظلال من السيرة الذاتية والنفسية والجنسية.
دخلت كوساما منتصف السبعينيات مصحا نفسياً بعد عودتها من نيويورك بوضع صحي سيئ، ما زالت تقيم بملء حريتها في هذا المصح الذي تغادره أحياناً لستوديو لها يقع على مسافة قريبة منه، حيث افتتح في عام 2017 متحف من خمسة طوابق جرى تخصيصه لعملها في العاصمة اليابانية
طوكيو.
تقول كوساما:" لولا الفن لكنت قتلت نفسي منذ سنوات"، الفن يمكن أن يكون عزاءً، وهذا الخطاب القصيدة الذي نضعه هنا هو أيضاً وسيلة من وسائل مقاومة يايوي كوساما للموت. هنا خطاب
يايوي كوساما:
***
مع أنه بعيد المنال وهو يتلألأ، إلا أنني أستمر في الصلاة من أجل الأمل ليشرق.
وميضُه يضيء طريقنا،
هذا الوهجُ الكوني العظيم الذي طال انتظاره.
الآن وحيث وجدنا أنفسَنا في الجانبِ المظلم من العالم
فإن الإله سيكون هناك ليعضّد الأمل الذي نثرناه في كلِّ أرجاء الكون.
لأولئك الذين خلفوا وراءهم، حكاية أيّ شخص وحكايات أحبائه
آن الأوان لنسعى من أجل ترنيمة حب لأرواحنا
في خضم هذا التهديد التاريخي، تلوّح موجةٌ ضوئية قصيرة إلى المستقبل
دعونا، بمسرّةٍ، ننشدُ أغنيةَ المستقبل المشرق هذه.
لننطلق..
فلتتعانق، بمحبة عميقة، جهودُ البشر عبر جميع أنحاء العالم
إنه أوانُ أن ننتصرَ، أن نأتي بالسلام
لقد تجمّعنا من أجل الحب، وآمل أن نحقق هذا الطموح
لقد حان الوقت لنقاوم وننتصر على تعاستنا.
لكوفيد 19 الذي يقف في طريقنا
أقول: اختفِ من هذه الأرض
سنكافح
سنقاتل هذا الوحش الرهيب
آن الأوان للناس عبر العالم كله من أجل النهوض
امتناني العميق لكلِّ هؤلاء الذين يقاومون بالفعل