ازهر العبيدي
يذكرنا فيلم "ارحموني" بأيام العراق وبغداد الجميلة حيث المحبة والأمان والبساطة والاطمئنان، إذ يتحدث الفيلم عن الفترة التي سبقت 14 تموز 1958، وهي تنام هادئة على نهر دجلة كالجنة وأهلها الطيبون يعيشون في بساطة وطيب ومحبة يحسدون عليها، وكما تقول أغنية الفيلم: "بغداد يا جنة يا زهرة بالوادي"
و "أرحموني" ينتمي الى الأفلام الميلودرامية، على شاكلة الأفلام المصرية، فهو يصوّر الحياة البغدادية القديمة البسيطة والعادات والتقاليد السائدة في ذلك الزمان، الفيلم من بطولة هيفاء حسين (سعدية) ورضا علي بدور الفنان أحمد وبدري حسون فريد جسّد شخصية إبراهيم الشاب الطائش، وعبد الجبار عباس أدى شخصية الأب الحاج عبد الله، فضلا عن فنانين منهم: كامل القيسي ومحسن البصري ومديحة شوقي، فيما كتب السيناريو له وأخرجه حيدر العمر، عن قصة سليم مضي، وأدار تصويره وليم سايمون، ومن انتاج عبد الهادي الحدّاد وتوزيع حبيب الملاك. وتم تصويره في ستوديو بغداد وليس في قرية كما تقول وسائل الاعلام، وعُرض في آذار 1958.
تدور أحداث "ارحموني" في بيت الحاج عبد الله المتواضع الذي تعاني زوجته من مرض عضال، وابنته سعدية الشابة الجميلة البريئة، وابنهم الطائش قدوري الذي يرتاد النوادي ويتعاطى الكحول، وفي جلسة سمر في أحد الملاهي يخطط قدوري واصدقاؤه، لسرقة دكان في احدى المحلات، لكن الحارس الليلي يحظى بهم في لحظة اقتحام الدكان، فيهرب قدوري بعد ان يطعن الشرطي، ثم يُلقى القبض عليه ليسجن ثلاث سنوات، ينهار الأب وتتداعى صحته ثم تتوفى زوجته، واثناء مراجعة سعدية المستشفى تتعرّف على إبراهيم الارستقراطي زير النساء، الذي يغويها بالزواج ثمّ يسلب شرفها، وحينما تطالبه بالزواج يماطل ويراوغ، ويتزامل حملها مع محاولة ابن عمها الشاب الشهم الذي يقف معهم في محنتهم للزواج منها، فتهرب الى البصرة مع طفلها، لكنّها لم تجد عملا يقبلها، فتضطر الى التسوّل، وفي مصادفة سعيدة يطلب منها أحد الأغنياء ان تعمل خادمة في بيته، فتكسب رضا الجميع وتكشف عن معدن أصيل، وكانت غالبا ما تهدهد طفلها بصوت جميل، وفي يوم يدعو صاحب البيت صديقه المقرّب أحمد؛ المطرب والملحن المشهور، واثناء دخوله البيت يسمع صوتها الشجي وهي "تلولي" لابنها، ينبهر أحمد بصوتها ويقنعانها بضرورة العمل في رحاب الفن الجميل تقتنع بوجهة نظره، وتنطلق في مسارات الشهرة والاضواء، وتشارك في اوبريت فكرته تتمحور حول جمال بغداد والبصرة وشمال العراق الحبيب، تشترط عليهم ان لا يذكر أسمها خوفا من معرفة أهلها الذين يتقصون أخبارها لغسل عارهم مثلما تريد الأعراف والتقاليد، فينجح الاوبريت نجاحا كبيرا ويصفق لصوتها الجمهور، ويتعلق احمد بها ويعجب بصوتها فيطلب منها الزواج ليكون لها عونا ويعوّضها عن الأيام العصيبة فتقبل به زوجا، وتعم السعادة بيتهما، إلّا أن الأمور تتعقد بخروج أخيها من السجن وبحثه عنها، يسافر مع ابيه وابن عمه الى البصرة، ويتعرّفان على بيتها، فيقررون قتلها، يقتحمون البيت وهم يحملون الخناجر فيخرج لهم أحمد بمسدسه، وفي اللحظة الحاسمة التي يهم قدوري بطعن اخته، يفتح الطفل الصغير الراديو لنسمع صوت مقرئ القرآن وهو يتلو الآية الكريمة: " (ولا تقتلوا النفس التي حرَّمَ اللهُ ...) ، التي ما ان يسمعها الجمهور حتى يصفق الجمهور ، فيتراجعوا بعد معرفتهم الحقيقة وكيف أنّ زواجها من احمد، هو زواج شرعي، لاسيما وسعدية تعيش معه بسعادة واطمئنان.
وقد تميّز فيلم "ارحموني" بواقعية أحداثه، فغواية الفتيات البريئات من قبل شباب لا يملكون ضميرا
ولا قيما.
وثّق لنا الفيلم صور وأحداث جميلة غابت عنا في الوقت الحاضر من عادات وتقاليد ومعالم، ولكن فات المخرج معالجة بعض الهفوات منها عدم جواز عمل الملاهي في شهر رمضان المبارك، وقراءة سعدية الأميّة على الأغلب لخبر مقتل الشاب الذي غدر بها في الجريدة التي لم تكن تصل بيتهم، وكذلك طرق باب البيت من الوالد والأخ وابن العم ثم فتحه من قبل سعدية والمعروف أن بيوت الناس كانت مشرعة وسط جو الأمان والاطمئنان والجيرة الطيبة ولا يستدعي من أي فرد من أهل البيت طرق الباب فيما عدا الغرباء. رحم الله من عمل في هذا الفيلم الهادف وبارك الله في عملهم الذي سيبقى شمعة مضيئة للأجيال
المقبلة.