كيف يمكن لعجلة الحياة ان تدور، وكيف يمكن ان تحافظ على استقامتها، والى اين يتجه انسان تكنولوجيا الان وهو يخرِّب فطرة الحياة الجميلة ويمارس الرعي الجائر للموارد ولمعالم الجَمال ؟ ، كلها اسئلة والمزيد منها جاءت بين الكلمات والحوارات التي ضمتها رواية "النسّاي" للكاتب والسيناريست يوسف جابر المحسن والصادرة حديثاً عن دار سطور البغداديّة للطباعة والتوزيع والنشر.
الرواية قُسِّمت إلى مئة جزء على امتداد مئتين وخمسٍ وثمانين صفحة من القطع المتوسط ، حيث كتب الناشر بأنها يوتوبيا قصة حب ودستوبيا مدينة مفترضة يواجه ابطالها وشخوصها محنة انسان اليوم في كل مكان، فلا حدود للزمان والمكان فيها مستندة الى متن سردي مغاير بُني وفق مزيج من التشويق والغرابة والانفلات عن القواعد المعتادة في الطرح الروائي.
وتجد بطلة الرواية ( النباتيّة ) وهي طبيبة بيطرية نفسها في مواجهةٍ وحالة صِدام بين تصوراتها عن المحيط وبين حقيقته وسط أجواء الاحتدام المفرط الذي يفصل بينها وبين حبيبها (نون- حاء ) ، فكيف لثنائي واهن بأفكار متعقّلة ان يصمد امام حمى جارفة من التقلبات والجنون التي لم يسلم منها النبات والهواء والماء والكائنات الاخرى ، ووفق هذا تدور رحى احداث الرواية مستعرضة تغيرات الكوكب خلال ستين عاماً خلت وثلاثين عاماً قادمة ، فهي رواية استشرافيّة تنبؤيّة تحاول أن تطرح أسئلة وإجابات وفق قالب سردي متين .
و"النسّاي" حاولت عبور اطارها المكاني والزماني وهي تخط لها فضاءً سرديّاً خاصاً بها وتشكل شخصياتها واجواءها بعيداً عن التوثيق الانطباعي او الطرح الحكائي وفي محاولة منها لتقديم السرد كَفِّنٍ يحاكي العقل الانساني اينما وِجِد ، وعن ذلك يقول الروائي المحسن إنَّ الاتيان بقصّة جديدة ومشوقة وذات مدلول يعيد إيقاظ الجمال في ذات المتلقي ليس بالامر الهيّن او المهمّة السهلة ، ففي "النسّاي" ثمّة عمليّة نحت للشخصيّات والاحداث والمتون السرديّة حوّلت الرواية الى بستان خليط من المعارف والاحاسيس والافكار والصراعات والاجواء المشحونة ، ويحذر المحسن من ان النص ليس طيّعاً ويحتاج الى قراءة متأنية لان ثمّة تداخل في الزمن والامكنة والحوارات والاجيال والاحياء والاموات في مشاهد من الواقعيّة والحُلميّة والكابوسيّة .مضيفاً انها رواية سوف تتحول الى قصة مغايرة عند كل قارئ، لانها تشجعه على سحق النص وتشييد نصوص جديدة من بقاياه او ركامه وفي تجسيد للرؤية القائلة إن "النسّاي" هي رواية محنة الكوكب ومن عليه .
وسبق للروائي والسيناريست يوسف جابر المحسن ان اصدر كتباً عدة من بينها: لصوص العرب ومآرب اخرى وغبار النحت وله مساهمات في النقد الفني والسينمائي.