محمد شريف أبو ميسم
تشكل المسؤوليَّة الاجتماعيَّة للشركات ركناً أساسياً من أركان الاقتصاد الليبرالي الذي تبشرُ به أدوات العولمة الثقافيَّة، فهي تتكاملُ في إطار نموذج الأعمال مع الحريَّة والملكيَّة بحسب الليبراليين، إلا أنها نشاطٌ طوعي تقوم به الشركات في بيئة العمل فيتجلى بطريقة اقتصاديَّة واجتماعيَّة وإنسانيَّة تستهدفُ التأثير الإيجابي على المجتمع والبيئة والناس، وبحسب الليبراليين أيضاً أصبحت الكثير من الشركات معنيَّة بالمسؤولية الاجتماعية وراحت تنشئ أقساماً لها في الهيكل الإداري تنسحب وظائفها الى مساحة التنمية المستدامة في بيئات العمل، حتى قيل إنها تخضع لمواصفات الآيزو 25000 «وهو المعيار الدولي للمسؤوليَّة الاجتماعيَّة».
وبحماسة منقطعة النظير يتكلم البعض عن التأثيرات المستدامة للمسؤولية الاجتماعية ودورها في دعم خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلدان من قبل شركات العولمة، عبر مشاريع متنوعة تشمل تقديم الدعم لقطاعات التعليم والصحة وتمكين الشباب والتوظيف، زيادة على الأعمال الخيريَّة والتبرعات.
وحين وقعت جائحة كورونا اختفى الحديث عن المسؤولية الاجتماعية لشركات العولمة، واقتصرت هذه المسؤولية على القطاع العام والخاص الوطني في عموم البلدان التي واجهت الجائحة، ولم تظهر الشركات التي تحتكم على ثروات تفوق إيرادات العديد من الدول أي اهتمام بهذه المسؤولية التي كانت تروج لها مستعينة بالأقلام التي تعيد إنتاج ما تروج له وسائل الإعلام الممولة من هذه الشركات طمعاً بالمحاكاة لما يسمى بثقافة ما بعد الحداثة.
وبانت حقيقة المسؤولية التي ترافق حق الحرية والملكية المطلقة التي يراد للشركات الأجنبية أنْ تتمتع بها في بيئات الأعمال، لتكون مسؤولية غير ملزمة تقررها مصالح وأهداف الشركات، اذ لم نسمع في بلادنا عن دعم مالي قدمته إحدى الشركات الأجنبية لخلية الأزمة، على خلاف المساهمة الواسعة للشركات العامة والقطاع الخاص الوطني والمصارف الخاصة التي قدمت الدعم المالي والمعنوي لخلية الأزمة في بلادنا من منطلق الانتماء لهذه الأرض والشعور بالمسؤولية الوطنية والاخلاقية تجاه الأهل والبلاد.
ومن الدلالات التي تدعم ما نريد قوله، إنَّ غياب المسؤولية الاجتماعية للشركات العاملة في البلاد رافقها خبر تسريح العمال المحليين من قبل بعض الشركات النفطية العاملة في البصرة، إذ نقل عن النائب الأول لمحافظ البصرة محمد التميمي، في بيان، إنَّ «شركتي أيجز البريطانية، والألب الدنماركية، العاملتين ضمن موقع البرجسية النفطي غربي البصرة، وشركات نفطية أجنبية أخرى، ارتكبت مخالفات تتعلق بالتسريح التعسفي للعمالة العراقية مستغلة حظر
التجوال».
وهنا يكون من المناسب، أنْ نعيد النظر بالمفاهيم التي طرأت على العقل الثقافي المبهور بالتسويق الاقتصادي تحت مظلة ليبرالية السوق، التي تحاول التأسيس لسلطة رأس المال وترك كل الفعاليات الاقتصادية لآلية السوق بدعوى مواطنة الشركات تارة والمسؤولية الاجتماعية للشركات تارة أخرى والحرية والملكية المطلقة للاستثمار الأجنبي، بينما يعيد البعض منا إنتاج هذه المفاهيم وسواها بهدف المحاكاة والتشبه، من دون الالتفات الى دور نظام اقتصاد السوق الاجتماعي الذي كان وراء ظهور دولة الرفاه في أوروبا، والذي يلزم الشركات بالمسؤولية الاجتماعية في إطار نظام ضريبي تصاعدي.