{الدكة} العشائرية .. ظاهرة متخلفة تنافي التقاليد الاجتماعية

ريبورتاج 2018/12/18
...

بغداد / بشير خزعل 
 
  في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي لم تكن ( الدكة ) العشائرية بمفهومها السائد اليوم، فقد كانت الأخلاق العشائرية الأصيلة حاضرة حتى في أوقات الخلاف والعصبية، ومن كان يريد أن يقوم (بالدكة) يخبر الجيران وأهل البيوت المجاورة برغم أنه يقوم بإطلاق رصاصة أو رصاصتين في الهواء من مسدس لا يكاد يراه أحد، ولتنبيه الخصوم من أجل ( التحويلة) في اليوم التالي، حاليا تطور هذا التقليد العشائري 
المتبع في بعض المشاكل والخلافات العشائرية الى مظاهر لعرض القوة المفرطة، إذ تستخدم البنادق فيها الآلية والاسلحة المتوسطة والرمانات اليدوية والعبوات الحارقة، وآخر ابتكارات ( الدكة) هو قيام أحد الاطراف بجلب آليات ثقيلة ( شفل) لتهديم بيت الخصم وبعد نهار عمل متواصل وبحراسة مسلحة من أفراد عشيرته يحول بيتا عامرا الى "كومة" أحجار.  
 
 إجراء
  مجلس القضاء الاعلى وجه بالتعامل مع قضايا ما يعرف بـ"الدكات العشائرية" وفق قانون مكافحة الاٍرهاب، وعدها من جرائم التهديد الإرهابي وفق احكام المادة 2 من قانون مكافحة الاٍرهاب، ودعا المواطنين الى تفعيل هذا الاجراء بشكل ملموس وحازم من قبل السلطة التنفيذية .
رجل وزوجته في مدينة الصدر كانا خارجين من منزلهم للتبضع  فمزقت جسديهما رصاصات طائشة من بندقية آلية كان يحملها مراهق يقوم بالاغارة على بيت مجاور لتنفيذ ( دكة ) عشائرية مع مجموعة من اقاربه، ولم يكن الجيران على علم بوجود تهديد عشائري لجارهم الذي اغلق بابه ولم يتعرض لاذى، وقتل شخصان بريئان من دون اي ذنب . 
وفي منطقة الشعب ببغداد اثارت معركة بين طرفين سخرية الناس، بعد ان جاءت سيارة محملة باشخاص لتنفيذ (دكة) عشائرية وبطريق الصدفة كانت هناك سيارة اخرى تحمل مسلحين قادمين لتنفيذ ( دكة) اخرى لاعلاقة لها بالاولى، فاختلط الامر عليهم  لدى مرورهما من نفس الطريق ونشبت بينهم معركة داخل الشوارع الفرعية اسفر عنها سقوط 7 جرحى من الطرفين، وبعد توقف المعركة تبين ان المشتبكين لايعرف احدهم الاخر ولا توجد اي مشكلة  في ما بينهم  .
 
 {بلي ستيشن}
الباحث الاجتماعي رعد فاضل الشمري قال : ( الدكة العشائرية) احد مظاهر التخلف الاجتماعي التي كانت سائدة ايام فترة الاقطاعيات والمشايخ، فلم تكن آليات تنفيذ القانون متاحة للجميع في القرى والارياف والمناطق النائية في فترة العشرينيات وصولا الى نهاية ستينيات القرن الماضي، وادى العرف العشائري دورا في حل النزاعات وفضها وفق صيغ ومفاهيم دينية واخرى لاجتهاد شيوخ وحكماء، لكن هذه الاعراف تغيرت مع مرور الزمن وتحولت الى العاب (بلي شتيشن) ينفذها مراهقون وشباب لم يعتادوا او يسمعوا بالاعراف والتقاليد الاولية لدى العشائر، فابسط المشاكل تظهر فيها قوة السلاح وتستباح فيها الحرمات من دون الالتفات الى العواقب، هذا الجهل المفرط وعدم حكمة بعض المتحكمين بزمام الامور في ( الفخذ او العشيرة) أديا الى شيوع مبدأ ( بدل القانون) فلم يعد احد ينتظر ان ياخذ حقه بالقانون، الامر الذي ادى الى تفاقم ظاهرة ( الدكة ) العشائرية بشكل خارج عن المألوف . 
 
 مساندة
 استاذ علم النفس بجامعة بغداد الدكتورعبد الرحيم السراي ابدى مساندة اغلب الفئات والشرائح المثقفة لقرارمجلس القضاء الاعلى، مبينا ان اغلب العشائر لديها ابناء يعملون في مجالات مختلفة فمنهم اطباء ومهندسون واستاذة جامعيون وهؤلاء لهم دور في نقد هذه الظاهرة التي استفحلت بشكل منفلت خلال السنوات الاخيرة وازهقت ارواح ابرياء لاذنب لهم سوى العنف السائد وان شخصا ما يحمل بندقية ويريد ان يتفاخر ببطولة وهمية لاوجود لها او بداعي استرجاع حق او الثائر، القانون هو سيد الموقف وهو من يرجع الحقوق الى اصحابها، وليس تسلط القوة المفرطة الخارجة عن سيطرة الدولة، فاستخدام السلاح بهذا الشكل قد يغير معالم  مدنية الدولة العراقية الى دولة قبلية متخلفة لاسلطة للقانون فيها.  
 
مؤتمرات
 شيوخ عشائرفي محافظات ومدن مختلفة ايدوا بشكل مطلق قرار القضاء بالتعامل مع (الدكة العشائرية) ضمن قانون مكافحة الإرهاب، محافظ ذي قار يحيى الناصري في كلمته التي القاها خلال المؤتمر العشائري الذي نظم بمشاركة محكمة ذي قار الاتحادية ومديرية شؤون العشائر على قاعة بهو بلدية الناصرية، اثنى بدور شيوخ ووجهاء العشائر في تعزيز اللحمة الوطنية، ودعا الى وقفة موحدة للحد من (الدكة) والنزاعات العشائرية ومواجهة المظاهر الضارة بالمجتمع.
واضاف ان العشائر اثبتت في كل مرحلة مفصلية من تاريخ البلد انها عماد الدولة الحديثة وداعمة لسيادة القانون والعدالة، مبينا ان البلد يمر اليوم بمرحلة جديدة تستوجب تعاون وتكاتف الجميع للقضاء على ظاهرة (الدكة العشائرية) التي تتنافى مع الخلق السليم والعرف العشائري الاصيل وتتسبب بالكثير من الحوادث المؤلمة.
 
 عقوبات 
في قلعة سكر عقد قسم الشرطة في المدينة مؤتمرا عشائريا موسعا ناقش من خلاله قانون مجلس القضاء الأعلى الأخير والقاضي بمحاسبة مرتكبي ما يعرف بـــ (الدكة العشائرية)، وفق المادة الرابعة بدلالة المادة 2 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005 بحضور الحكومة المحلية وقيادات أمنية إضافة إلى طيف واسع من شيوخ عشائر ووجهاء قضاء قلعة سكر (98 كم شمال مدينة الناصرية ).
وتم التأكيد على ضرورة سيادة القانون والعودة إلى تثقيف المجتمع ونبذ التقاليد السيئة، وعزم المؤسسات الحكومية على تطبيق هذا القانون بحزم بالتعاون مع شيوخ عشائر ووجهاء المدينة , وأن الأوامر صدرت إلى جميع الأجهزة الأمنية برصد هكذا حالات والتعامل معها ضمن السياقات القانونية .
أما الأمور المترتبة بعد توجيه مجلس القضاء بالتعامل مع الدكات العشائرية وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب فقد تم تشديد العقوبة بحق مرتكب "الدكة" إلى الإعدام وفي حال تخفيفها ستكون15عاما وذلك بعد أن كانت في السابق العقوبة تتضمن الحبس لـ5 سنوات أو غرامة.
وإن مرتكب الدكة العشائرية لا يحق له الحصول على تعيين في دوائر الدولة أو التعاقد على العمل معها باعتباره مرتكبا جريمة مخلة بالشرف لان جرائم الإرهاب تعتبر من الجرائم المخلة بالشرف , ولن يكون مشمولا بقانون العفو ولا الصلح ولا التنازل , ولا يجوز إطلاق سراح المتهم بارتكاب دكة عشائرية بكفالة .
وفي حال تمكن مرتكب الدكة العشائرية من السفر إلى إحدى الدول قبل أن يتم القبض عليه فان تلك الدول لن تستقبله بحكم تعميم اسمه على دول كثيرة كإرهابي
 
دعم
 شيخ عشائر "بني ركاب" في العراق والوطن العربي حسين الخيون، ابدى دعمه لجميع القرارات التي تندرج ضمن تحقيق السلم الاهلي ومجتمع آمن من دون نزاعات، مؤكدا ان العشائر كانت وما زالت صاحبة الدور الرئيس في حفظ الامن والاستقرار في البلد. 
ولفت الى ان قرار القضاء باعتبار (الدكة العشائرية) ضمن قانون مكافحة الإرهاب يسهم بشكل كبير في الحد من النزاعات العشائرية وحفظ امن وكرامة الإنسان وسلامة المواطنين.
قائد شرطة بابل اللواء الحقوقي علي حسن الزغبي على هامش مؤتمر عشائري نظم لدعم قرار القضاء بمكافحة (الدكات العشائرية) اكد ان وزارة الداخلية مستمرة بحملة التوعية والتثقيف بشأن قرار مجلس القضاء الاعلى والذي عدته خطوة مهمة وضرورية لتثبيت سلطة القانون. 
وذكر ان بابل تعد من اقل المحافظات نسبيا بتسجيل ما يعرف بـ(الدكة العشائرية) لانه اسلوب مرفوض من اغلب الشخصيات العشائرية الاصيلة بالمحافظة وعدته دخيلا على عرف العشائر مغلبة الجانب الانساني والقانوني على ذلك، محذراً من استغلال البعض من ضعاف النفوس لاسم العشيرة لخدمة مصالح ضيقة والتصفيات الشخصية لاسباب عديدة.
 
رفض
 شيوخ العشائر المشاركون بمؤتمر مكافحة (الدكة) العشائرية ابدوا رفضهم لهذه الظاهرة وعدم التستر على كل من يحاول خرق القانون واستغلال النفوذ العشائري للتهرب من العقوبة، واكدوا ضرورة التمسك بتطبيق القانون على الجميع من دون استثناء.
مديرية شؤون العشائر في وزارة الداخلية اقامت مؤتمرا عشائريا مشتركا بين وزارتي الداخلية و الصحة  في مضيف قبائل وشيوخ عشائر العراق بمقر المديرية لغرض مناقشة قضية "الدكات العشائرية" وتسليط الاضواء على هذه الظاهرة التي تخل بامن المجتمع العراقي وتعرض ارواح الابرياء للخطر وضرورة مساندة قرارات مجلس القضاء الاعلى التي تحد من تنامي حالات الاقتتال العشائري غير المبرر.