جبار النجدي
نتبين مما يطرح حول مسألة ( الايقاع الداخلي في قصيدة النثر ) انه قد غلب غيره من مكونات الاوزان الشعرية ليقيم في قصيدة النثر دون سواها وبما ان الوزن هو مظهر ايقاعي قبل كل شيء، فلا بد اذن من ان ترتبط قصيدة النثر بناء على ذلك بعلاقة تكاملية مع القصيدة الموزونة وواقع الحال ان ما يوحى به حول قصيدة النثر وبعدم ارتباطها بالقصيدة الموزونة وانها متعارضة معها بطبيعتها ومختلفة معها بالكامل وهي تتجه لتصبح جنساً ادبياً قائماً بذاته انما يؤشر ان عملية تكونها تجري بعيداً عن القصيدة الموزونة، فضلاً عن ذلك فان الايقاع حتى لو اطلقنا عليه ايقاعاً داخلياً، فليس من شأنه ان يميز الشعر الموزون عن غيره ولا شأن له بتكون قصيدة النثر تحديداً، ما يعني ان ما اجمع على تسميته بالايقاع الداخلي موصول بمفهوم الوزن وماثل فيه على اعتبار ان الايقاع يمتلك حضوراً حاسماً في الاوزان الشعرية ومعنى ذلك ان الاشارة الى الايقاع الداخلي بوسعها ان تدحض اي مبرر لوجود قصيدة النثر، اذ ان قيمة قصيدة النثر تتجلى بكونها نمطاً نثرياً خالصاً وضرباً من الكتابة الشعرية المتحررة من الاوزان ويفترض ان تكتسب حالة عدم وجود الايقاع درجة الاولوية فيها بحيث مجرد ان تقول قصيدة نثر يتحتم ان تكون في منجى من الاوزان الشعرية وايقاعاتها، فكيف اذن تعول قصيدة النثر على ما ارادت ان تتخلص منه وبموجب ذلك فان الايقاع الداخلي قد جعل لنفسه لغزاً واشكالاً بالغاً>
بينما يفترض ان تكون قصيدة النثر بوضع يتعذر عليها الاقتراب من القصيدة الموزونة شعراً عمودياً او حراً ان كتابة قصيدة النثر تتطلب بالحاح التخلي بالضرورة عن الاشتغال الشعري المرتكز على الايقاع، طالما ان ايقاع قصيدة النثر لا يلتقطه السمع ولا تحركه آلية دخيلة من خارج النص خلافاً للعروض في القصيدة الموزونة، فلا وجود لعنصر انتاجي في قصيدة النثر يسمى الايقاع، شبيهاً لصناعة العروض في الشعر التقليدي، لذا ادعو الى ان ينظر للايقاع الداخلي نظرة اخرى بوصفه وحدات بنائية اكثر منه ايقاعية تعتمد النشاط الادراكي والحسي واستعمال الكلمات عبر اجرائية العلاقة والوظيفة بين الكلمات ومن ثم يصبح الايقاع الداخلي ترجمة لهما حيث تتم عملية المناقلة بين الكلمات وتتغير المعاني تبعاً لذلك خالقة صدى ايقاعياً بطرق تجاورها التي تتغير على الدوام تحقيقاً لسعيها بان تكون جنساً ادبياً قائماً بذاته وبذلك نكون قد انتهينا من اشكالية الايقاع الداخلي في قصيدة النثر.