منذ الاعلان عن أول وفاة في مدينة ووهان الصينية في العاشر من كانون الثاني ، ودول العالم تحصي كل يوم اعداد مصابيها ووفياتها من طرفٍ واحد مستسلمةً لعدو قاهر غير مرئي اخترق الدفاعات القوية قبل الدفاعات الهشة وحطمها ، وحتى اليوم تجاوز عدد الوفيات بفيروس كورونا 200 ألف شخص في جبهة العالم الواسعة ويتوقع وصول حالات الإصابات إلى ثلاثة ملايين ، وسجلت الولايات المتحدة الاميركية ما يزيد على 52الفاً و400حالة وفاة، وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وفاة ما بين 22 ألفاً إلى 26 ألف شخص ، اي مايزيد عن أكثر من نصف عدد الوفيات في أنحاء العالم .
وفي جبهة العراق الحصيلة ( 1763 اصابة و 1224 حالة شفاء و 86 وفيات ) ، ومعظم الاصابات الأخيرة حصلت عن طريق الملامسة ، وما ادراك ما الملامسة بعد الإغلاق وحظر التجوال التام ، فقد تركت هذه الاجراءات الصعبة وغير المسبوقة آثاراً اقتصادية واجتماعية خطيرة وتوقفت معها الأعمال والمصالح وفقدت آلاف الاسر مصادر ارزاقها ، وتحت هذا الضغط الاقتصادي والاجتماعي بدأت معظم دول العالم بتخفيف اجراءات الحظر من اميركا الى اوروبا وآسيا والدول العربية وفي مقدمتها العراق بعد ان لمست خلية الأزمة امكانية ذلك في ضوء النتائج الجيدة قياساً لبقية دول العالم وتزامناً مع حلول شهر رمضان ، وهو تخفيف مشروط بالالتزام بإرشادات التباعد وعدم التجمع وخاضع للتقييم والمراجعة اذا لم يحقق الغرض ويضمن شروط الصحة العامة .
وبعد نحو اسبوع تجريبي محبط من رفع الحظر الجزئي لابد من إجراء يحمي الكل من تهاون البعض ، ويخطئ من يغفل لحظة ويتهاون في الحذر والمواجهة المميتة او يتجاهل ويتساهل باجراءاته الوقائية او يسارع في احتفال دعائي لن يضعف معنويات العدو ولا يحطم إرادته بقدر إضعاف جبهتنا الداخلية ، فلا مواجهة عسكرية تنفع معه ولا حرب نفسية ولا مفاوضات ولا نصر نهائي يلوح بالأفق ، ولا دليل حتى الآن على ان الأشخاص الذين طوّروا أجساماً مضادة بعد التعافي من الفيروس لن يصابوا بالعدوى مرة أخرى ، وكان المعوّل والمرتجى ان تتمسك الناس بالحظر الجزئي لأنه مقدمة لرفع الحظر بشكل تام ولكونه يحقق هدف عودة الكثير من الاعمال والمصالح والارزاق وتحريك الاقتصاد ولأنه بداية لعودة الحياة وبارقة أمل رغم مخاطر الجائحة ، لكن المخاوف من حدوث انتكاسة نتيجة تزايد بأعداد الاصابات أصبحت تنذر بخطر ضياع الجهود والتضحيات وفقدان السيطرة على تفشي الوباء ، بينما الأزمة الصحية تلد أزمات اقتصادية عالمية أكثر خطورة وتترك كل بلد يداوي جروحه بنفسه في ظل عمليات جراحية غير مضمونة النجاح وخيارات أحلاها مر .
واليوم ثبتت لدينا الرؤية وبالعين المجردة ان النصائح والارشادات والتوعية الصحية لم تُعر لها الناس آذاناً صاغية او لا تأخذها على محمل الجد ولم تصمد امام حاجات الناس ورغبتها الجامحة في العمل والتسوق والخروج الى الهواء الطلق بعد طول صبر وفراق، اضافة الى ثبوت رؤية اللامبالاة في أوسع صورها وبالعين المجردة ايضاً الى حد يشبه الاحتفال بنصر لم يتحقق بعد وإقامة علاقة صداقة وتعايش مع كورونا وشعور لدى الكثيرين بأمان زائف وثقة عمياء بعدو غادر مازال يحتفظ بكامل قوته وانتشاره واسلحته ومفاجآته غير السارة .وأظنها ليست المرة الأولى التي نصادق فيها الأعداء ونعادي الأصدقاء ولا المرة الأولى التي لا يعرف فيها العراقي صديقه من عدوه .