طالعنا صباح الجمعة الماضي خبر رحيل المبدعة الكبيرة ناصرة السعدون,بعد معاناة كبيرة مع المرض الوبيل الذي أخذها من عشاق أدبها وأصدقائها وأهلها .قبيل وفاتها بعامين قالت السعدون للدكتور مجيد السامرائي في برنامجه (أطراف الحديث) وقد سألها (كيف رأيت الدنيا؟) فاجابت:
(الدنيا كالقنطرة أو الجسر نمر عليها , نعبرها جميعاً ونغادر,وما نفعله من البداية الى النهاية ,تلك هي الحياة) وقد كانت متألقة لا تخشى شيئاً سوى توقها الى لقاء جديد مع المدينة التي لم تنسها في كل حياتها..بغداد.
ناصرة ابنة مدينة الحي ,مدينة الثورة والصلابة والاقطاع السالف ,وعلى ضفاف نهر الغراف(حيث تقف الحي بكل مهابة) وفي الرابع من حزيران 1946 ولدت ناصرة ضمن اربع بنات لأبيها السيد عبد العزيز شبلي السعدون الذي صحب الاسرة الى بغداد ليضع البنات في افضل مدارس العاصمة,وكان منهن السيدة لمعان السعدون الأديبة والمترجمة التي رحلت في ريعان شبابها رحمها الله منذ التسعينيات.
في بغداد دخلت ابنة (الحي) مدرسة الراهبات الابتدائية والمتوسطة وعاشت سنوات في القسم الداخلي فيها قبل ان تنطلق في الاعدادية الشرقية للبنات في بغداد الخمسينيات لتعيش الحياة الاجتماعية البغدادية العصرية حتى وهي تدخل كلية الآداب.
اكملت ناصرة دراستها الجامعية في كلية الآداب قسم الاقتصاد، ثم أخذت دبلوماً عالياً في اللغة الفرنسية ,وكانت من الشابات المستنيرات اللواتي مارسن العمل السياسي والفكري باستقلالية مشهودة وقد شغلتها قضية الثورة الفلسطينية.
في عام 1967 عندما تخرجت في كلية الآداب-جامعة بغداد كانت نكسة حزيران قد شوهت الصورة الحضارية للانسان في عالمنا الشرقي العربي وقد أثرت بشكل واضح في حركة المبدع في عالمنا الحديث وبذلك كانت روايتها الاولى (لو دامت الافياء ) استطراداً لتجربة الحياة المرة التي عاشتها (رابية) وسواها.
كتبت ناصرة السعدون بعد ذلك، روايات متعددة منها:(ذاكرة المدارات) و(أحببتك طيفاً) و(دوامة الرحيل) التي فازت بجائزة كتاراعام 2015وسواها.
وكتبت للمسرح(أحلام مهشمة) وترجمت 26 كتاباً في السياسة والأدب والفلسفة وعلم الاجتماع أبرزها كتاب مذكرات عالم الاجتماع الكبير كارل يونغ.
كانت ناصرة انموذجاً للانسانة الواعية لدورها الثقافي وهي تعمل لتؤكد دور الانسانة المبدعة وهي تؤدي رسالتها التي خطتها لنفسها ..وللآخرين.