وداعاً لمن أسعد أطفال العالم

الصفحة الاخيرة 2020/04/28
...

علي حمود الحسن
 
توفي المخرج والرسام الأميركي جين ديتش، عن عمر ناهز 95 عاما في مدينة براغ التشيكية، التي أحبها وعشقها، منذ أن ترك جنة أميركا الواعدة، بعد تسريحه من الجيش لإصابته بالتهاب رئوي حاد حيث كان يعمل رساما، ليبدأ رحلة حافلة بالإنجازات في عالم الرسوم المتحركة الساحر، منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، وانتهت مساء الخميس قبل الماضي، ابتكر عشرات الشخصيات وأخرج أفلاما كارتونية وأخرى إعلانية، وهو فضلا عن ذلك مغنٍّ موهوب وممثل كوميدي، ومن أشهر أعماله المبكرة، فيلم الكارتون القصير "مونرو"، الذي فاز بأوسكار أفضل فيلم قصير عام 1961، ويحكي  قصة طفل تم اختياره عن طريق الخطأ للانضمام للجيش، وبدا أسلوبه فيه واضحا وقويا ومختزلا، واسهم في إخراج 13 حلقة من سلسلة "توم وجيري"، التي أشاعت المرح والابتسامة وأحبها الأطفال والكبار في العالم، وعلى العكس مما ورد في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فديتش لم يبتكر شخصيتي القط الأزرق توم والفارة اللعوب، انما أخرج 13 حلقة من سلسلة طويلة بلغ عددها 300 فيلم على مدى 60 عاما، هاتان الشخصيتان أوجدهما  الأميركي جوزيف باربيرا بالتعاون مع ويليام هانا الذي كان شريكا له عام 1937.  
على الرغم من أن ديتش المولود في العام 1924 عاش حياته مثلما يريد، وكاد   "يتناوش" القرن من الزمان، الا ان موته لم يمر عابرا، اذ ضجت وسائل الاتصال بنبأ رحيله، وأبّنه الملايين من الناس العاديين، من خلال الصفحات الزرقاء وتويتر" بكلمات مفعمة بالامتنان والعرفان، لأنّه أشاع الابتسامة والسعادة لأيام طفولتهم، فكتب أحدهم يقول: "شكرا لأنّك أسعدتني" وغرّد آخر: "ما زالت السبانغ أكلتي المفضلة ونقلتها لأطفالي"، ونقل لي صديق يعمل مهندسا نفطيا، أنه وجد حلا عبقريا لنوبات الكآبة التي يتعرض لها، بعد يوم عمل شاق، فما عليه سوى ان يتوحد مع مطاردات "توم وجيري"، التي احتفظ بعدد من حلقاتها في هاتفه النقال، ليدخل في نوبة ضحك "تغسل روحه"، مثلما يقول ليعود الى يومياته منتعشا باسما.
قدم مخرج "بباي" أكثر من 35 فيلما كارتونيا حقق شهرة واسعة وترشح بعضها للأوسكار: أشهرها: "القطط المتغيرة" (1961)، و "للأسفل والنزهة" (1961)، "شرائح اللحم الثملة" (1961)، و "اللصوص الثلاثة" (1972)، و "يوم اميلي الأول في المدرسة" (2006)،  فضلا عن فيلمين انتجهما في العام 1964، وترشحا للأوسكار، وهما: "كيف تتجنب الصدفة"، والثاني "هذا هو نودينك" ، لكن أكثر أفلامه التي حازت شهرة عندنا وتابعناها بشغف، هي سلسلة الخصمين اللدودين توم وجيري، لاسيما مقالب الفارة البنية والصغيرة فائقة الذكاء جيري، الذي تقدمه متلبسا للسيدة توم الرهيبة او للكلب الكسول سبايك، ومن وجهة نظر علماء نفس، تصدوا لظاهرة الاقبال على مشاهدة توم وجيري من الصغار والكبار، منذ ستين عاما وما زالت، الى: "ان الصراع بين توم وجيري يجد فيه المشاهدون جزءا من صراعاتهم الحقيقية، فهم يشعرون بنشوة لما يجدونه من تبسيط  للصراعات الداخلية وبشكل مرح، وغالبا ما يريدون استمراريته وعدم حسمه لتوم، أو جيري، وهذا وحده  يجعلهم مستمتعين، وكل هذا لا يحصل، لولا تقانة العمل والموسيقى ومهارة صنّاع الفيلم".