كُتاب ينتظرون الترحيب!

الصفحة الاخيرة 2020/04/29
...

زيد الحلّي
 
أثناء إعادة ترتيب مكتبتي المتواضعة، مستفيداً من أيام الحظر، لاحظتُ وجودَ كمٍ لا بأس به من كتب ألفها أصدقاء وزملاء، معظمها مجموعات قصصيَّة، وأخرى شعرية حديثة الإصدار، والقليل منها من أدب السيرة، وبين هذا وذاك وجدتُ كتباً هجينة، لم أتمكن من توصيفها، فحين تصفحتها وجدتها تنتقل من هنا الى هناك مثل عصفور مرة، ومثل نسر مرة ثانية، فتاهت عليّ سطورها، و ضاعت مراميها. وهذا النوع من الكتب يبدو أنه مجرد إصدار يشبه ملهاة طفل رضيع!
22 كتاباً، بين مجموعة قصصيةَّ ورواية، لأسماء بعضها، تنشر للمرة الأولى، قرأتها جميعاً، بتمعن، على مدى أيام الحظر، وجدتُ بينها، روايات ومجاميع قصصيَّة، امتلكت وعياً مجتمعياً شاسع المدى، متكئاً على جذور فلسفيَّة، تمد القارئ بخيالات لا نهائية من المعرفة والقدرة على فهم حقائق الحياة، وتدعو الى الارتباط بالحياة الواقعيَّة، وتفقدها، ومراقبتها، والتعمق بها، وتحليل أحداثها، وتفسير سلوك الناس فيها بواسطة التغلغل الى نفوسهم، واستبطان البواعث والأسباب والدوافع الكامنة التي توجه هذا السلوك. وهذا في رأيي إبداعٌ كبيرٌ في صورة عطاء أدبي، شبابي، وانعكاس للواقع المعاش، والمتخيل ايضاً. وبدت للقارئ في ألق قصصي جميل، بهي الطلة، وثراء في الغوص بعوالم وعي الشخوص، وجمال البناء في السرد.
لقد أعادت تلك القراءات، ثقتي بالقصة العراقيَّة، التي مرَّتْ قبل سنوات قليلة بمنزلقات الإصدار الهش، المتسم بالكمْ دون الإبداع، قبل أنْ تنهض من جديد، لكني، استغربت، وأنا أنهي بعض تلك القراءات المشوقة والمفيدة، انَّ اخوة من النقاد كتبوا نقوداً عن بعضها، لم تشر الى إبداعات تلك النتاجات التي أشرتُ إليها، إنما تطرقوا الى هنات ورؤى غير موجودة أصلاً، وكالوا بكلمات قاسية على كُتاب، يستحقون الإشادة والتبشير بهم. وقد أثار استغرابي هذا الأمر، فالذي أعرفه أنَّ النقد سياق إبداعي مهم، يهدفُ الى التقويم وبيان الأخطاء، وصولاً الى رعاية بذرة الموهبة كي تعطي نتاجات أكثر إبداعاً، بدلاً من رمي هذه البذرة بصخرة قساوة الرأي، والتراب السبخ، والماء الأجاج!
ولستُ، هنا بمعرض التقليل من أهمية النقد والنقاد، لكن الموضوعية دعامة أساسيَّة، لا يقوم الأدب إلا بها وعليها. و"النقد" لا يستحق أنْ يكون نقداً، إلا إذا رسم الطريق المؤديَّة الى التغيير في تفكيك المحتوى، واستقراء غير المنظور، وتلك حقيقة التقت عندها كل مذاهب النقد الرصينة، فلا ضير على الناقد أنْ يختار أياً ما يشاء من تلك المذاهب، ويقدمه لنا بكل تفصيلاته، ولن يكون في اختلافنا في ما يختاره، إنما في رؤاه إنْ خالفت الأطر الصحيحة في آليات النقد الحكيم. فالنقد هو بالأصل جزءٌ من حضارة العقل البشري، واتزانه في إطلاق الأحكام الرصينة، وليس ملعباً تتنافس فيه فرقٌ شعبيَّة!
بكلمة قصيرة أقول: إنَّ النقد في أساسه، مصطلح ومنهج، ومن يتصدى لعملية النقد الأدبي، تقع عليه مسؤوليَّة خطيرة ومهمة جداً، فهو وجدان وضمير المجتمع والإنسانيَّة.