روسيا تضاعف تعاملاتها مع العراق رغم {كوفيد-19}

العراق 2020/04/29
...

رسلان ماميدوف 
ترجمة: انيس الصفار
تتركزُ المصالح الاقتصادية الروسية مع العراق في قطاع الطاقة تحديداً، وهي تتمفصل مع حركة اسواق النفط والغاز عالمياً، حيث تواصل عمالقة النفط الروسية نشاطها على الارض رغم جائحة فايروس كورونا وتقلبات اسعار النفط العالمية السريعة.
قال السفير الروسي لدى العراق "ماكسيم ماكسيموف" في مقابلة مع وكالة انباء "انترفاكس": "مكاتب وفروع الشركات الروسية في العراق جميعاً تعمل بشكل اعتيادي. كلها طبعاً لديها اجراءاتها الاحترازية ضد كوفيد- 19، وإذا ما ساءت الاوضاع على الارض بدرجة جدية حتى اصبحت تشكل تهديداً مباشراً لحياة العاملين الروس وسلامتهم فهنالك خطط معدّة أثبتت نجاحها في ميدان الاختبار وسوف توضع موضع التطبيق، ومن ضمن ذلك حتى احتمالات العودة الى الوطن. بيد أننا نأمل ألا تستدعي الضرورة اللجوء الى سيناريوهات الازمة هذه."
أما عن صفقة أوبك يقول ماكسيموف: "لا شك في أن العراق سيرحب بالاتفاق على خفض مستويات الانتاج النفطي العالمية، لأن هذا سيسمح للسلطات بتثبيت سياسة الميزانية ومواصلة مساعيها لإسعاف الاقتصاد."
مع هذا يشير السفير الى المجازفات الراهنة ويذكر أن عائدات النفط في العراق قد تدنت بنسبة قاربت 41 بالمئة في شهر آذار حيث بلغت مستوى 3 مليارات دولار، مقارنة بأكثر من 5 مليارات دولار في شهر شباط. ولما كانت الدول المنتجة للنفط تعتمد في ميزانياتها بشكل مباشر على مبيعات النفط فإن الوضع سيكون مشحوناً بـأعباء جدية خلال المستقبل المنظور، على حد تعبير السفير.
علاوة على ذلك تملي الجوانب المتعلقة بالتنفيذ ان يفي العراق بالتزاماته بخفض الانتاج، وهذه ستكون مرحلة صعبة بالنسبة لشركات النفط العالمية. الحكومة العراقية من جانبها سوف تتباحث مع هذه الشركات حول حصتها من التخفيض، ومن المحتمل ان تمنى الشركات الروسية ببعض الخسائر، شأنها شأن الشركات الأخرى. حكومة اقليم كردستان العراق أخذت تطالب شركة "غازبروم نفط" الروسية منذ الان بخفض استثماراتها في مشروع نفط سرقالة، ولكن الشركة رفضت ذلك. هذا الوضع قد تنعكس اثاره ايضاً على شركات النفط والغاز الروسية الأخرى في العراق، وهذا يشمل "لوك أويل" و"روزنفط" و"باشنفط".
تركت الازمة السياسية في العراق آثارها ايضاً على العلاقات الثنائية بين البلدين. نشأت هذه الأزمة عقب استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ابان الاحتجاجات الجماهيرية الكبيرة التي وقعت في العام الماضي وما تلاها من تلكؤ في تشكيل حكومة جديدة.
في شهر شباط قال ماكسيموف خلال مقابلة اجرتها معه وكالة أخبار "ريا نوفوستي" الروسية: "في السنة الماضية تأجلت زيارات عديدة مهمة كانت ستقوم بها وفود وزارية بين موسكو وبغداد، كما أجلت رحلات عمل لمسؤولين تنفيذيين. بدلاً من ذلك يتوقع حضور رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي ورؤساء بعض اللجان والهيئات البرلمانية الى موسكو خلال السنة الحالية، وهذا كله يوضح مدى رغبتنا في رؤية الحكومة العراقية تتولى مهامها بأقرب وقت ممكن".
في شهر شباط تحدث سفير العراق المعين حديثاً لدى موسكو عبد الرحمن حامد محمد الحسيني هو أيضاً عن تلك اللقاءات المزمع اجراؤها. قال الحسيني: إن الجانبين يعدان لزيارة يقوم بها الرئيس العراقي برهم صالح الى موسكو حال اكتمال تشكيل الحكومة الجديدة. كذلك اشار سفيرا البلدين الى وجود خطط لدى الجانبين لعقد جلسة اصولية للجنة الحكومية العراقية الروسية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي في موسكو خلال الشهر الحالي، ومن المقرر ان يرأس نائب رئيس الوزراء الروسي "يوري بوريسوف" ووزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم اعمال هذه اللجنة. برغم هذا قد تؤثر اي تغييرات تطرأ على الحكومة في مسار هذه الخطط.
تفيد احدث التقارير الواردة من العراق بأن مصطفى الكاظمي، وهو مدير جهاز الاستخبارات الوطني السابق في العراق ورئيس الوزراء المكلف حالياً، تتوفر له فرص نجاح افضل من المرشحين السابقين. ثمة اعتباران جديران بالملاحظة هنا، الاشارات الواردة من موسكو، وموقف البرلمان العراقي.
في شهر نيسان الحالي ذكرت "ماريا زاخاروفا" الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية انها تأمل أن ترى مؤشرات داخلية تنبئ بقرب استتباب الوضع السياسي في العراق. أضافت زاخاروفا ان ذلك يمكن أن يتحقق بتشكيل حكومة وطنية في أقرب وقت ممكن. تقول زاخاروفا: "نحن نمضي في مسارنا على افتراض ان هذه المهمة سوف تنجز بنجاح على يد الكاظمي، إذ تفيد المعلومات المتوفرة حالياً بان معظم الأطراف في العراق قد ابدت استعدادها لدعمه". 
ضمن المقابلة الصحفية نفسها اشارت زاخاروفا الى أن روسيا تعتبر اي محاولات لاستغلال العراق حلبة لتصفية الحسابات مرفوضة، لأن ذلك يشكل انتهاكاً للقانون الدولي ولسيادة العراق من وجهة نظر روسيا الى جانب اضراره بالمصالح الوطنية للبلد، على حد تعبيرها، ويبدو انها كانت تلمح بذلك القول الى محاولات جهات معينة استغلال العراق وجعله ساحة معركة بالوكالة.
طالب اعضاء البرلمان العراقي بوضع المصالح القومية لبلدهم في المقام الأول حين اصدروا تصريحات عديدة انصبت على ضرورة اقتناء منظومة الدفاع الصاروخي الروسي "أس-400". ففي يوم 3 كانون الثاني الماضي تجلت للعيان محدودية سيطرة العراق على اجوائه عندما اقدمت الولايات المتحدة على اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، ومعه ابو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق، وبعدها حين ردت إيران باستهداف القواعد العسكرية الأميركية في العراق. حينها دعا البرلمان العراقي جميع القوات الاجنبية الى الرحيل، وهي خطوة لا تزال تتطلب مزيداً من البحث. نتيجة لذلك عادت بغداد الى تأمل فكرة شراء انظمة دفاع جوي من بينها منظومة "أس-400"، فالعراق لا يمكن ان يغض الطرف عن قرار الولايات المتحدة نشر منظومة باتريوت في البلد بهدف تعزيز الموقف الامني للقواعد العسكرية التي تتواجد فيها عناصر عسكرية أميركية. لا يزال مدى فعالية هذا الاجراء خاضعاً للجدال حتى في واشنطن، بيد انه يأتي منسجماً مع خطة الولايات المتحدة بالانسحاب من العراق مع ابقاء بعض الحضور فيه. على هذه الخلفية يمكن ان نتفهم سعي العراق الى تنويع مصادر امداداته في الجانب العسكري.
بانتظار حكومة الكاظمي المرتقبة قدمت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي الى رئيس حكومة تصريف الاعمال دراسة مفصلة طالبت من خلالها بحصول العراق على منظومة "أس-400" المتطورة. أكد هذه المعلومة عضو اللجنة بدر الزيادي، الذي قال في مقابلة صحفية: "هذه المسألة جرى التباحث فيها مع الشخصيات المعنية في القيادة العامة للقوات المسلحة وهي الان تنتظر موافقة رئيس الوزراء". بيد أن الكابينة الوزارية الجديدة هي التي تملك السلطات المطلوبة للتعامل مع هذا الشأن. يقول الزيادي: ان اللجنة سوف تدعم قرارات الحكومة العراقية المقبلة بهذا الشأن وستقدم لها جميع المقترحات والتوصيات، على حد تعبيره. بيد ان السفير ماكسيموف يقول ان الجانب الروسي لم يتلق طلباً رسمياً بهذا المعنى بعد. في مقابلة معه قال السفير الروسي: "لا ريب في ان التطورات الأخيرة قد صعدت الاهتمام بمنظومات الدفاع الصاروخية الجوية، لا سيما منظومة أس-400 المضادة للطائرات. ولكن من المبكر بعد الخوض بالتفاصيل، لذلك اقول إننا سنعمل على تلبية الطلب العراقي بمجرد وروده الينا".
بقي علينا ان ننتظر لنرى ما اذا كان الجانبان سينجحان في ابرام صفقة قد تتبعها محاذير اقليمية متنوعة كما يمكن أن تترتب عليها عقوبات أميركية. من ناحية اخرى يتطلب تنفيذ الاتفاق وجود حكومة مستقرة في بغداد، وبما ان الانتخابات البرلمانية المفاجئة تبقى احتمالاً وارداً في العراق فإن المباحثات الجدية بخصوص التعاون العسكري والفني قد تتأجل الى حين تشكيل الحكومة الجديدة.      
عن موقع "المونيتور" الاخباري