امتلأت نفسي بهجة وأنا أتابع مجموعة من الشباب، انطلق مشروعهم من صالة رياضية في منطقة جميلة. بالتأكيد لم يكن المشروع رياضياً بل إنسانياً، فقد أخذ هؤلاء الشباب الاتصال بالميسورين من أصحاب منطقتهم التجارية لجمع المعونات العينية والتبرّعات، بحيث توفرت لديهم كميات كبيرة من المواد الغذائية بمدّة قياسية، ولما زادت كمية هذه المواد وتحوّلت إلى أطنان وأطنان، لم يكن ثمّة بدّ من وجود مكان واسع، فوقع اختيارهم على صالة رياضية كبيرة، راحوا من خلالها يوزّعون تلك المواد الغذائية، بسلات خاصة ويبعثوا بها إلى المحتاجين، من أبناء منطقتهم والمناطق الأخرى.
رأيتهم يعملون كخلية نحل وتابعتُ مشاهد عملهم في الليل والناسُ نيام، أو يقضون أوقاتهم في البيوت التزاماً بالحظر والحجر المنزلي، في ما يعمل هؤلاء الشباب دون كلل وبحماس كبير، بين من يفرز الموادّ ويوزّع الحصص ويُهيئ الأكياس، قبل أن تتحوّل إلى رزم وسلات، يحملها هؤلاء الشباب الخيّر إلى سيارات نقل خصّصوها للتوزيع إلى أحياء بغداد، بتنسيق مع معتمدين ووجاهات اجتماعية، لتوزّع إلى الأسر المحتاجة.
الطريف أن نمو المشروع دفعهم لتوسيع قاعدته، وتوفير أرقام هاتفية خاصة، يمكن للأسر المحتاجة أن تتصل مباشرة، كما يمكن للناشطين الاجتماعيين التنسيق مع هؤلاء الشباب، لتزويدهم بالسلات الغذائية لمن يحتاج إليها.
من شباب جميلة هؤلاء إلى حيث كنتُ أتجوّل في منطقة سكناي، حين وقفتُ أمام فرنين قريبين أحدهما للخبز والآخر للصمون، وقد غمرني شعور عام من لوحتين قد كُتب عليهما بخطٍ عريض واضح ومقروء، أن الخبز والصمون متوفران مجاناً لمن لا يملك ثمنهما!
بالانتقال إلى أسبانيا التي أضرّها الوباء، تابعتُ من مكنونات الخير نشاط مجموعة من الشباب، تطوّعت لتوزيع وجبات منتظمة، على المسنين والمتقاعدين الذين انقطع بهم السبيل، بالتنسيق مع مطاعم تبرّعت لإعداد هذه الوجبات.
من مصر لم يمض على افتتاح أحد المطاعم إلا مدّة سنة واحدة فقط، لكنه مع ذلك أصرّ على أن يوزّع الوجبات مجاناً، وأن يبقى مفتوحاً لتقديم هذه الخدمات خلال ساعات الليل والنهار.
بالانتقال إلى موسكو وصل عدد المشاركين في حركة «معاً» التطوعية الإنسانية، إلى (82) ألف عضو من بينهم أربعة آلاف طبيب نفسي. مشروع هؤلاء باختصار هو تقديم المساعدات المعنوية والدعم النفسي للمرضى بوباء كورونا، مضافاً إلى الدعم المادّي بالتركيز خاصة على الأدوية والمعدّات الطبية، حيث اختصّ عدد من أعضاء الجمعية بالتواصل مع الصيدليات والمذاخر و(5000) آلاف مستشفىً، لجمع الأدوية توزيعها على المحتاجين. ولما حقّقت الحملة نجاحاً بادرت إلى توسيع عملها بإدخال المعونات الغذائية بالإضافة إلى الأدوية والدعم المعنوي والنفسي، ثمّ بادرت إلى مدّ نشاطها خارج موسكو، إلى جميع أرجاء روسيا.
هذا غيض من فيض من مكنونات الخير التي تفجّرت في هذه الأزمة، بين ستة أو سبعة مليار إنسان من سكان المعمورة، تحرّكت جميعاً للبذل والعطاء ونفع الناس، وهي تطرق أبواب الله بهذه الفيوضات من هذا الخير المنهمر، كلّ على شاكلته وبأسلوبه وطريقته، تأكيداً لمقولة أن طرق الوصول إلى الله بعدد أنفاس الخلائق!