قراءة في مشروع قانون مناهضة العنف الأسري

العراق 2020/05/04
...

آية خزعل
 تزايدت في الفترة الاخيرة ظاهرة العنف الاسري متزامنة مع اجراءات فرض حظر التجوال وتعطيل الدوام ، حيث لوحظ من خلال وسائل الإعلام  اتساع دائرة التعنيف داخل المنازل وقد يصل الى حد القتل في بعض الحالات ، وبغض النظر عن مسببات هذه الافعال وحيثياتها ، نجد انفسنا امام ظاهرة اجتماعية خطيرة توجب على المشرع ان يرعاها بالحماية من خلال تشريع قانون لمناهضة العنف الاسري الذي قدم كمسودة لأول مرة الى البرلمان عام 2012 وتم تعديله في السنوات التشريعية اللاحقة وقد اكتمل كمشروع قانون بنسخته الحالية عام 2016 لكن حتى الان لم يتم التصويت عليه وإقراره من قبل البرلمان.
في حين نجد ان اقليم كردستان العراق شرع قانوناً لمناهضة العنف الاسري برقم 8 لسنة 2011 لحماية الاسرة واتخاذ الاجراءات القانونية لسلامتها واستقرارها. 
وبالعودة الى مشروع القانون الذي قدم للبرلمان العراقي نجد فيه العديد من الملاحظات وجب التطرق الى البعض منها،  إذ ذكرت المادة الاولى العنف الاسري على انه ( كل فعل أو امتناع عن فعل أو التهديد باي منهما، يرتكب داخل الاسرة، يترتب عليه ضرر مادي أو 
معنوي).
نجد هنا ان التعريف حاول حصر الافعال والأضرار بنطاق ضيق فبعض طرق التعنيف داخل الاسر لا تحتاج الى القيام بفعل او الامتناع عن فعل لكن يترتب عليها ضرر ولو ذكرت بعض الأفعال على سبيل المثال لا الحصر  لكي تسترشد بها المحاكم لكان افضل، كما فعل المشرع الكردستاني فقد بينت المادة الثانية من قانون مناهضة العنف الاسري الكردستاني لسنة2011 بعض الحالات التي تعتبر عنفاً على سبيل المثال، وحسناً فعل المشرع، إذ ان القانون جاء لحماية شريحة ضعيفة في المجتمع قد يكون وحده الكفيل بحمايتها من اقرب الاشخاص اليها  وهم افراد الاسرة  فوجب ان يكون تعريف العنف الاسري جامعاً الى حد ما لجميع الافعال والأضرار التي قد تنشأ من جراء العنف ، ولقد ذكرت المادة (11) من له الحق في تقديم الشكوى -بانه (لكل من تعرض للعنف الاسري، أو من ينوب عنه قانوناً الحق في تقديم الشكوى) لكن في حالة كون المعنفين غير قادرين على تقديم الشكوى لأي عذر كحبسهم بالإكراه مثلاً ، فهل يجوز الاخبار من غير 
هؤلاء ؟
 لذا نرى وجوب ان يُعطى الحق لكل شاهد على حالة العنف الاسري سواء كان جاراً او صديقاً  ان يبلغ عن حالات العنف كذلك نصت المادة  12(على الموظف أو المكلف بخدمة عامة، أو كل من قدم خدمة طبية أو تعليمية أو اجتماعية أو المنظمات غير الحكومية المختصة، في حال يشتبه معها، وقوع جريمة عنف أسري، الاخبار الى أي من الجهات المنصوص عليها في المادة (11) من هذا القانون.)
لكن لم يعالج القانون في حالة لم يقم هؤلاء بالاخبار ، انما ذكرت المادة (22) احكاماً جزائية بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة واحدة لكل موظف او مكلف بخدمة عامة، حاول اكراه الضحية بعدم تقديم الشكوى، او أهمل في 
تسجيلها. 
وكان الاجدر ان ينص القانون على وجوب اخبار من ذكروا في المادة (12) في حالة اشتباههم بوقوع عنف اسري ومعاقبتهم اذا ما اهملوا الاخبار، اما عن محاولة اكراه الضحية بعدم تقديم شكوى فتعتبر ظرفاً مشدداً 
للعقوبة .
وتجدر الاشارة الى ان مشروع قانون العنف الاسري اعطى الأولوية للصلح، فلم يجرم القانون فعل التعنيف ولم يحدد عقوبة على المشتكى عليه حيث نصت المادة 19-( يحيل القاضي أطراف الشكوى إلى البحث الاجتماعي لإصلاح ذات البين، وله الاستعانة بمحكمين من طرفي الشكوى للغرض المذكور) اضافة الى ذلك ذكرت المادة (19) ايقاف الاجراءات القانونية المتخذة بحق المشتكى عليه إذا حصل الصلح والتراضي بينه وبين 
الضحية.
والتساؤل هنا هل الصلح هو الحل للحد من ظاهرة العنف
الاسري؟
ألم يكن الاجدر تحديد حالات على سبيل الحصر تكون هي فقط من تخضع 
للصلح  ؟ 
فإذا كان المشتكى عليه يعرف في كل الاحوال انه سيعرض للصلح وقد  يتعرض المشتكي للضغوط الاجتماعية للقبول به فهل يعفى المشتكى عليه من العقوبة ، كان الاولى بالقانون ان ينص صراحة على أن تقديم البلاغ بالعنف الاسري وثبوت وقوعه من قبل المشتكى عليه يرتب عليه المسؤولية القانونية لتكون رادعاً له ولغيره ممن تسول له نفسه تعنيف افراد اسرته ومثل هذا النص نجده في قانون مناهضة العنف الاسري رقم 8 لسنة2011 في إقليم كردستان فنصت المادة (7 ) مع عدم الاخلال بأية عقوبة اشد تنص عليها القوانين النافذة في 
الإقليم. 
يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون دينار ولا تزيد على خمسة ملايين دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب عنفاً اسرياً . 
وهناك الكثير من الثغرات القانونية التي لا يتسع المقام  لذكرها ، وقد تطرقت لها  بشكل مفصل وهي منظمة human rights watch    دولية غير حكومية معنية بالدفاع عن حقوق الانسان والدعوة لها في تعليقها على مشروع قانون مناهضة العنف الاسري في العراق المنشور في مارس /اذار 2017 و الذي ذكرت فيه اهم التوصيات المتعلقة بتعديل مشروع القانون استنادا إلى المعايير الدولية ، والحق أن اغلب ما ورد في التقرير اعلاه جدير بالعناية والاهتمام و الالتفات اليه ،  لتحقيق الغاية من تشريع هذا القانون بغية الحد من مظاهر العنف الأسري والقضاء على أسبابه وحماية الأسرة وأفرادها  وتحمل الدولة لمسؤولياتها ووقاية الأسرة لاسيما  المرأة من الأفعال التي تشكل العنف الأسري بأشكاله المختلفة.