تشكيل الذاكرة الفرديَّة وبالتالي الجماعيَّة يتم من خلال المخيلّات واللاشعور، حيث تجري تحولات جذرية في التكوينات الرمزية للذاكرة الجماعية ما يزيد من ترسيخ هذه الصور عبر (الاحتفالات السنوية، والطقوس الجماعية، والمهرجانات، وإقامة النصب وزيارت المراقد للتبرك بها).
وحول هذا الموضوع، صدر عن مؤسسة (مؤمنون بلا حدود) كتاب (صناعة الذاكرة في التراث الشيعي الاثني عشري) للباحث صلاح الدين العامري. إذ قام المؤلف بزيارة المراقد والأضرحة والمقامات الشيعية في العراق وسوريا وايران لمتابعة مراحل صناعة الذاكرة، فدرس نشأتها وتطورها وأحكامها ووظائفها ودلالاتها، فضلاً عن ذلك قام بدراسة نصوص الزيارة، باعتبارها ذاكرة خطابيَّة ومنظومة تواصلية، وذلك بالتركيز على عددٍ من وظائفها، ودلالاتها السياسية والعقدية، والفكرية وما أسهمت به في الدفاع عن هوية المذهب الشيعي، وصناعة ذاكرة الجماعة وصيانتها. ويعدُّ هذا الكتاب مجددا في بحوثه، التي لا ترى في تاريخ الأديان ترفاً ذهنياً في قضايا ماضية، إنما هو بحث في قضايا العصر المرتبطة في فهم للحاضر من خلال فهم تعقيدات الماضي. إذ إنَّ الجماعات الشيعية الاثني عشرية التي عانت من الاضطهاد والملاحقة والتضييق منذ القرون الوسطى تستعيد ذاكرتها المتخيلة الاندماج في حرة التاريخ.
كما بين أهم الوظائف الاجتماعيّة لزيارة المراقد، وقارن بين الحج في الإسلام والزيارة الشيعية، للوقوف على أوجه التماثل والتمايز، حتى يتسنى له تحديد العلاقة بين الأصل والفرع. التزم الباحث الحياد التام وهو يعالج موضوعه بالجمع بين المعاينة الميدانية، وآليات تحليل الخطاب المرتكز على معطيات موضوعية موثقة، وقابلة للتثبت. أهمية العمل تبرز أساساً على القطيعة السوسيولوجية مع كتابات التمجيد أو النقض السائدة في الثقافة العربية صلاح الدين العامري باحث تونسي، حاصل على دكتوراه في الحضارة، جامعة منوبة. صدرت له مجموعة من الأبحاث والمؤلفات. بغض النظر عما يمكن أنْ نتفق أو نختلف فيه مع المؤلف من نتائج أو جزئيات، نقرأ في موضوع الكتاب بحثاً مثيراً ومتخماً بالجمال والثراء والذي هو بالأساس أطروحة علمية ثرية، متينة، يتميّز بجدة الطرح وجمال العرض والأسلوب، حسن التسلسل، مراعيا لشروط البحث بدرجة لافتة، مشحوناً بالمراجع والمصادر التوثيقيَّة.
محتويات الكتاب الباب الأول. ذاكرة التاريخ وتاريخ الذاكرة - الفصل الأول. سياق النشأة - الفصل الثاني. مفهوم الزيارة - الفصل الثالث. أحكام الزيارة -- الباب الثاني. الذاكرة الخطابية منظومة تواصلية - الفصل الأول. الوظيفة الدينية - الفصل الثاني. الوظيفة السياسية - الفصل الثالث. الوظيفة الفكرية الثقافية - الفصل الرابع. الوظيفة الاجتماعية -- الباب الثالث. الذاكرة المكانية منظومة رمزية - الفصل الأول. الدلالة السياسية - الفصل الثاني. الدلالة العقدية - الفصل الثالث. الدلالة الفلسفية وفلسفة ذاكرة المكان - الفصل الرابع. الزيارة والحج دراسة مقارنة ذاكرة المكان ومكان الذاكرة.
