فستان أحمر

ثقافة 2020/05/07
...

 
 
 
أليس مونرو  ترجمة / أحمد فاضل
 
دأبت والدتي على خياطة ملابسنا بنفسها، كانت نادراً ما تشتريها من الأسواق، فعكفت طيلة شهر تشرين الثاني على خياطة ثوب لي، كنت أدخل إلى البيت بعد عودتي من المدرسة فأجدها في المطبخ محاطةً بالمخمل الأحمر والقصاصات ذات النسق الورقية، كانت تعمل على ماكنة خياطة قديمة وضعتها باتجاه النافذة للحصول على الضوء، وكذلك للسماح لها بالاطلاع على الحقول الزراعية الممتدة أمام منزلنا وحديقة الخضراوات العارية، ولمعرفة من الذي يمشي في الطريق.
كان من الصعب التعامل مع المواد المخملية الحمراء، كما أن الأسلوب الذي اختارته والدتي لم يكن سهلاً أيضاً، كانت تحب المحافظة على الطابع الكلاسيكي وهي تخيط ملابسي، مع ما تتركه من إضافات تقترحها عليها أفكارها، فلم تكن هناك أنماطٌ مصممة لتتناسب مع الأفكار التي ازدهرت في رأسها عوضاً عن التي كانت قد صنعتها لي في أوقات مختلفة عندما كنت أصغر سناً، فساتين مزينة بالأزهار مع رقبة عالية على الطراز الفيكتوري بدانتيل، مع غطاء قلنسوة كانت تزينه بنقوش أسكتلندية مع سترة مخملية وبلوزة فلاحية مطرزة مع تنورة حمراء كاملة، كنت أرتدي هذه الملابس بسرور، في الأيام التي لم أكن أعلم فيها رأي العالم بها الآن، لقد أصبحتُ أكثر حكمة، وتمنيت أن أرتدي الفساتين مثل تلك التي كانت تشتريها صديقتي لوني من متجر بيلي.
في بعض الأحيان كانت تأتي لوني إلى المنزل من المدرسة معي وكانت تجلس على الأريكة تشاهد والدتي، حيث شعرت بالحرج من الطريقة التي تجلس بها وركبتاها ظاهرتان، وكانت أنفاسها تعلو وتنخفض بشدة، ولم تكن ترتدي أي مشد أو جوارب، اعتقدت لوني موقفها من قرفصاء والدتي شيء وقح، حتى فاحش، فحاولتُ الاستمرار في التحدث معها حتى يتم سحب انتباهها بعيداً عنها قدر الإمكان، لكنَّ والدتي سحبتني ووخزتني بالدبابيس ودفعتني بالدوران حول نفسي وهي تقول لصديقتي:
- ما رأيك في بدلتها هذه، لوني؟
- إنها جميلة، قالت لوني بطريقتها المقنعة، فوالدتها كانت متوفية، لقد عاشت مع والدها الذي لم يهتم بها وهذا في نظري جعلها تبدو أكثر حذراً وخجلاً، لكن الذي فعلته والدتي بي لم يغضبني بقدر ما أغضبني قولها:
- حسناً، لم يشتر لي أحد أبداً أي ملابس عندما كنت أذهب إلى المدرسة الثانوية، لقد صنعت ملابسي جميعاً بنفسي.
كنت خائفة من أنها ستبدأ من جديد في قصة سيرها سبعة أميال إلى البلدة وإيجاد وظيفة في أحد المنازل، حتى تتمكن من الذهاب إلى المدرسة الثانوية، فجميع قصص حياة أمي التي كانت تهمني ذات يوم قد بدأت تبدو مليودرامية وغير مهمة ومرهقة، ولم تتوقف عند هذا الحد بل راحت تتحدث عن نوع الملابس التي كانت ترتديها:
- ذات مرة ارتديت ثوباً صنعته بنفسي، كان من صوف الكشمير ذي اللون الكريمي مع خطوط زرقاء داكنة أسفل المقدمة وأزرار تشبه اللؤلؤ، أتساءل ما الذي أصبحت عليه الملابس الآن؟
وعندما توقفت والدتي عن الكلام برهة، سحبتُ لوني من يدها وصعدتُ بها إلى غرفتي كي أبعدها عن ثرثرتها، كان الجو بارداً، لكن بقينا هناك، تحدثنا عن الأولاد في فصلنا، وعن ذلك الشاب الأشقر:
- هل تحبيه؟ قالت لي لوني، واستمرت في حديثها:
- حسنا هل ستذهبين معه إذا طلب منك ذلك؟
ضحكنا، كنا في الثالثة عشرة من العمر، وكنا نذهب إلى المدرسة الثانوية لمدة شهرين، ونقوم باستبيانات في مجلة الحائط لمعرفة ما إذا كانت لدينا شخصية وما إذا كنا سنحظى بشعبية، نقرأ مقالات حول كيفية تكوينها لإبراز نقاطنا الجيدة من عدمها وكيفية إجراء محادثة في التاريخ، وما يجب القيام به عندما يحاول صبي الذهاب بعيداً في تصرفاته معنا، نقرأ أيضاً مقالات عن البرود الجنسي عند انقطاع الطمث والإجهاض، ولماذا يسعى الأزواج إلى السهر خارج المنزل، وعندما لم نكن نقوم بعمل واجب مدرسي، نذهب إلى جمع المعلومات الجنسية ومناقشتها، لقد توصلنا إلى اتفاق أن نقول كل شيء عن هذا الموضوع، ولكن الشيء الوحيد الذي لم أكن أستسيغه هو الرقص في مناسبات المدرسة لأنها ستكلفني ثوباً جديداً من صناعة والدتي وهذا ما لا أريده بتاتاً.
* أليس مونرو، كاتبة قصص قصيرة كندية، حازت على جائزة نوبل للآداب عام 2013، وهي تعد من أبرز أساتذة القصة القصيرة، وغالباً ما توفر قصصها تفاصيل حياتية عاشتها أو سمعت بها، حيث نكتشف من خلالها غموضاً وحقائق عميقة عن العلاقات الإنسانية، وتشمل مجموعاتها السبع عشرة فوزها جميعاً بجائزة ناشيونال للنقاد، ومن بين جوائزها الأخرى ثلاث جوائز أدبية للحاكم العام، وميدالية إدوارد ماكدويل، وجائزة مان بوكر الدولية، تعيش مونرو في أونتاريو بالقرب من بحيرة هورون
 بكندا.