سينما السجون

ثقافة 2020/05/09
...

حميد المختار
 

( نظر الرجل إلى المحكوم وسأل الضابط : هل يعرف السجين عقوبته؟ قال الضابط : لا.. سيختبرها بنفسه.....فرانز كافكا)، هذا المقطع مأخوذ من قصة بعنوان (في مستعمرة العقوبات) لكافكا، كانت مفتتحا واستهلالا لفيلم المخرج (الفارو بريشنر) -أثنا عشر عاما مظلما- ومخرج الفيلم هو كاتب ومنتج من الأوروغواي، والأحداث معتمدة على قصة حقيقية مأخوذة من مذكرات الكاتب (موريسيو ريسينكوف) المستوحاة من كتابه (ذكريات زنزانة)، إذن الفيلم أنموذج لسينما والنضال والسجون التي خاضتها كثير من دول العالم، وهي حلقة مكملة لأدب السجون الذي صار سجلا وثائقيا لنضال الشعوب وكفاحها ضد الانظمة الدكتاتورية والاستبدادية، يسجل يوثق مخرج الفيلم ملف التعذيب الوحشي والممارسات اللاانسانية للحكم العسكري في الأوروغواي والذي حكم من سنة ١٩٧٣ ولغاية ١٩٨٥ من القرن المنصرم، والعجيب في الأمر أن كل الاحداث التي وردت في الفيلم كان قد عاشها العراق منذ عام ١٩٧٩ ولغاية ٢٠٠٣، كما لو كانت عذابات مستنسخة ومنقولة بحرفية عالية، مشاهدته من أحداث في هذا الفيلم هي احداثنا نحن التي عشناها بالدم والدموع والقهر والموت، أتذكر واحدة منها حدثت في الفيلم وحدثت معي شخصيا في معتقل أمن الجادرية، الكاتب (موريسيو ريسينكوف) هو واحد من شخصيات الفيلم، يشاع أمره في المعتقل بأنه كاتب وهو في زنزانته الانفرادية التي بقي فيها وفي زنازين انفرادية أخرى اثني عشر عاما، يسمع الحارس به فيطلبه، ويقول له: أنا أحب فتاة واريدك ان تكتب لي رسالة لها ويوافق طبعا على ذلك، ومقابل هذا يمنحه الحارس بعض الأكل والشرب كثمن كبير ويصبحان صديقين وأما ماحدث معي في مديرية أمن الجادرية، يسمع الحارس بأن في الزنزانة الانفرادية هناك كاتب فيستدعيني في الليل، وصلت إليه وكان هو في باحة داخلية مفتوحة يسمع اغنية لأم كلثوم، انا أول مرة استنشق هواء نقيا في ذلك المكان، قال لي: أنا أحب فتاة وهذه الفتاة تتثاقل عليّ، أريدك أن تكتب رسالة لها ترقق قلبها لي، أعطاني ورقة وقلما وكتبت الرسالة، كان ثمن الرسالة انني استطعت ان اعب هواء نقيا في ليلتين في الليلة التالية نادوا عليّ وجاء احد الحراس واقتادني إلى غرفة التعذيب اليومي، عصبوا عيني وابتدأت الحفلة السادية، كانت وطريقة التعذيب هذه المرة الفلقة وصرت أصرخ بأعلى صوتي والجلاد يضرب قدمي واصابعي بقوة حتى أحسست ان ضرب الكيبل وصل إلى قلبي، فجأة مالت عصابة عيني قليلا واذا بي أرى السجان العاشق هو الجلاد الذي يضربني بكل لذة وسادية وكان يلهث من التعب، حين شاهدت فيلم (اثنا عشر عاما مظلما) تذكرت كل شيء وقلت على الأقل الوحوش في الأوروغواي أقل وحشية من وحوش صدام في زنازينه المظلمة، ياإلهي كم نحن بحاجة إلى توثيق كل تلك المآسي والعذابات.