المستقبل ومشروع الدولة

الثانية والثالثة 2020/05/15
...

رئيس التحرير
مشروعُ الدولة ليس بحثاً عن شعارٍ مثير، وليس استدراكاً لمعالجة واقع سياسي طارئ يتطلب المعالجة السهلة، بقدر ما أنّ هذا المشروع اضحى ضرورة لمواجهة محنة التاريخ وشغف المستقبل، إذ ارتبط تاريخ الدولة العراقية بمحنة الانقلابات العسكرية والاستبداد والعنف والحروب العشوائية، مثلما أنّ مستقبلها ظلّ غائما ومحفوفاً  بكثيرٍ من الازمات والصراعات والأوهام.
ماجرى خلال الاشهر الماضية، واستقالة الحكومة السابقة، وبعد اعتذار مرشَحين لرئاسة الحكومة، تطرح حكومة السيد الكاظمي بعد نيلها ثقة مجلس النواب، مشروع الدولة، ومنهاجها الوزاري بوصفه " لحظة انقاذ" للعمل ولاسناد حقيقة مشروع الدولة، واعادة بناء مؤسساتها، وتأمين فرص تطورها، لمواجهة عقدة التاريخ القديم، وأزمة الواقع السياسي الجديد، الواقع المشبوك بصراعات وعقد ومظاهر مُعقدة للفساد والترهل والعجز وسوء الادارة، والتي تشكّل لوحدها مصدات لتعويق اي مشروع يخص الدولة والحكومة والمؤسسة.
واقعية المكاشفة والشفافية قد تكون مداخل لإنضاج فاعلية التحوّل، ووضع الاولويات في سياق مسؤوليات المواجهة، وعلى وفق مقتضيات الحاجة لبناء دولة حديثة، دولة للمستقبل، لها القدرة والكفاءة والشجاعة على التعاطي مع تعقيدات الواقع وأزماته، عبر خطط طموحة وبرامج حقيقية للتنمية، تتجاوز فيها ذاكرة الاستبداد والفوضى والفشل،  وتملك فيه القوة الدستورية لحماية الديمقراطية والارادة الشعبية، على مستوى السيادة الوطنية، وعلى مستوى اقامة العدل الاجتماعي وصيانة الحقوق العامة، وحماية الثروات من النهب والعشوائية وسوء الادارة،  وهذا  لن يحدث بالنوايا، ولا بالاحلام، بل بالقدرة التي تؤسس لها حكومةٌ قوية، تدعمها الارادة البرلمانية والشعبية، تدفع باتجاه ممارستها لمسؤوليتها في الادارة الرشيدة، وفي التصدّي لتحديات الواقع، وأزمات السياسة والاقتصاد والفقر وعقدة الدولة التشغيلية، فضلا عن دعهما لصيانة مبدأ الاستقلال الوطني، من خلال الابتعاد عن لعبة الصراعات الاقليمية، وسياسة المحاور، وفرض هيبة الدولة، وتطوير مؤسساتها الامنية، وحصر السلاح بيدها، ومنحها الصلاحيات الكاملة لمكافحة الارهاب الداعشي، ووجهه الآخر الفساد بمظاهره المتعددة.
إن مشروع الدولة القوية والناجحة هو الرهان العقلاني للاجيال الجديدة، إذ يؤسس هذا المشروع قيما فاعلة وحقيقية لمستقبلهم، ولدورهم في بناء عراق سياسي، ناجح في ترسيخ قيم ديمقراطيته وفي خياراته الوطنية الجامعة، والحافظة للتنوع القومي والديني والمذهبي، يملك قوته من خلال نظامه السياسي الديمقراطي والحقوقي، ومن ارادة شعبه الحر، وهذا ما يعني حيازة التمكين لمواجهة التحديات الكبرى، بعيدا عن ازمات الصراع الدولي والاقليمي، وعن ذاكرة الاستبداد والعنف والكراهية..