‎الخروج من المأزق

العراق 2020/05/17
...

‎سالم مشكور
 
‎العراق في مأزق اقتصادي، فضلا عن السياسي، ليس الآن بل منذ عقود طويلة. مرض الاقتصاد هو الذي يربك الامن، والصحة والسياسة. نبيع النفط ونعّين العاطلين عن العمل بمئات الالاف كل عام لينتقلوا الى نوع آخر من البطالة هي المقنّعة، فلا عمل يقومون به بل على العكس قد يعيقون العمل في الدوائر الحكومية. المهم أن يأخذ راتباً نهاية الشهر وليس مهما أن ينتج. هذا بحد ذاته يدمر شخصية الانسان ويدفعه الى المزيد من الكسل والاتكالية. 
‎في اقتصاد مريض كالعراقي لا فرص عملا حقيقية أمام الناس. الحكومة توفر فرصة الحصول على راتب عبر التعيينات غير المجدية، وليس وظائف منتجة. الجهاز الحكومي متضخم وما نبيعه من نفط كسلعة وحيدة للتصدير، نوزع عائداته على ملايين الموظفين.
‎الان، وكما حدث قبل ست سنوات، انهارت أسعار النفط ففقدنا مصدر مالنا الوحيد، وبتنا، نحن بلاد الرافدين الكبيرين والأرض الخصبة المليئة بالمعادن الثمينة، نبحث عن قروض خارجية لتأمين رواتب الموظفين.
‎الاقتصاد هو الأساس، ومنه تكون البداية، والجميع يردد هذا لكن لا خطوات عملية حتى الان. الاعتماد على بيع النفط خطيئة نشهد نتائجها الآن. الاقتصاد المقصود هنا هو الحر وليس الممسوك من الدولة كالدول الاشتراكية سابقاً، لكن التجربة أثبتت أيضا أن دور الدولة يجب أن يبقى في الاشراف والتقويم والمراقبة كي يضمن عدم تحول الاقتصاد الحر الى مافيات متوحشة تتلاعب بحياة الناس وقوتهم وصحتهم.
‎الاقتصاد الحرّ يعني الاستثمار المقنّن بتسهيلات تمكّنه من التحقق الفعلي، وضمانات تضمن نتائجه الإيجابية، وأمامنا نماذج عديدة لدول عديمة الموارد الطبيعية لكنها ازدهرت اقتصادياً عبر الاستثمار. نحن رفعنا راية الاقتصاد الحر والاستثمار منذ 2003 لكن عقولنا وقلوبنا ما زالت تعيش الاقتصاد الموجّه الذي تلاشت مقوماته بزوال النظام التسلطي المركزي وحلول نظام محلّه يمارس الديمقراطية شكلاً أكثر منه مضمونا. أضعنا البوصلة، وبقي الاستثمار مجرد شعارات ومؤتمرات، والسبب الفساد وغياب التشريعات التي توفر بيئة حقيقية وآمنة للاستثمار ابتعد المستثمرون من الاساس أو جرّبوا حظوظهم وهربوا لاعنين الساعة التي صدّقوا بها ادعاءاتنا. 
‎الحلّ يبدأ من تغيير عقليتنا ونظرتنا السلبية الى القطاع الخاص، ثم قوانين وإجراءات صارمة تسهّل عمل هذا القطاع وتجذب المستثمرين، وتمنع ابتزازهم من السياسيين والعصابات، وأخرى تضمن حقوق العاملين في القطاع الخاص. هكذا تتوفر فرص العمل الحقيقية ويخفّف العبء الذي يثقل كاهل الجهاز الحكومي.