شمخي جبر
دائما أتذكر مقولة الاستاذ الدكتور متعب مناف {رحمه الله} (الدولة ثابتة والحكومة نابتة)، كلما جرى الحديث عن الدولة والحكومة او كلما اجريت مقارنات او اشتباكات وخُلط بين ماهو حكومي وماهو دولتي.
حتى في الصراع السياسي مهما كانت احتداماته ومدياته ينبغى ان يتذكر هذا الفارق وتلك المسافة والفرق بين الحكومي والدولتي . ليكون الصراع الى ابعد مدياته لكن يجب ان تكون هناك ثوابت لايمكن تجاوزها. الدولة ملاذ وسقف لحماية الفرد والمجتمع مهما كان شكلها
اذ ان الدولتي وخطوطه الحمراء يجب ان تبقى حمراء غير قابلة للتجاوز بل يصل الامر الى حد التقديس. نعم يمكن ان نتفق على العمل على تهديم الحكومة واسقاطها لكن تبقى الدولة ومؤسساتها ثابتة.
فقد تعرضنا للكثير من الهزات التي استهدفت الحكومة لتغييرها لظلمها او استبدادها ولكن رافق ازاحة الحكومة تهديم الدولة ومؤسساتها او تعرض هذه المؤسسات الى هزات كبيرة او اعادة تشكيل وهذا يشكل خسارة فادحة في عمر الدول، خسارة للزمن وللموارد ولاشياء اخرى غير منظورة.
لهذا يجب ان يكون هناك جدار من المناعة والمنعة بين المفهومين وعدم الخلط بينهما، ومن ثمّ تشكيل وعي مجتمعي باهمية الحرص على جدران الدولة سالمة ومحروسة حتى وان كانت الحكومة منخورة وآيلة للسقوط.
احيانا تختصر الدولة بالحكومة في ظل النظم الاستبدادية فيصبح المستبد هو الدولة (انا الدولة والدولة انا) مقولة لويس الرابع عشر التي قالها أمام البرلمان عام 1655م، ولكنه تراجع عنها وهو على فراش الموت اذ قال (أنا سأذهب أما الدولة فستبقى دائما).
العداء المستمكن من ثقافتنا ومن ثم سلوكنا هو عداء للحكومة وليس للدولة لأنّ مايقع على المجتمع من ظلم وجور وحيف مصدره الحكومة وليست الدولة.
حين يطغى على نحو ما المجتمع على الدولة فتصبح هدفا سهلا له وخاصرة رخوة في مواجهته، يصبح الدفاع عنها واجبا والدعوة الى حمايتها إحدى أهم مهام صناع الرأي. في ظل وجود بؤر التوازي التي تزاحم الدولة على سيادتها فتثلمها او تسعى لذلك، ووجود جماعات تفرض بعض شروطها الثقافية والسياسية على المجتمع فيتمظهر كل هذا بعدة اشكال للهيمنة وفرض الوجود، في هذه الحالة يجب الدفاع عن الدولة.
في واقع كهذا لا يمكن إلّا ان نبحث عن جسور تواصل وقنوات حوار بين الدولة والمجتمع من اجل سلامة الدولة وحفاظها على هيبتها. العلاقة الايجابية بين الدولة والمجتمع، علاقة التبادل والتواصل والتفاعل بين الطرفين لها مردوداتها المهمة على تحقيق الاستقرار المجتمعي ومغادرة حالات التوتر والعداء بين الطرفين.
ضعف الدولة ووهنها وفشلها في فرض سيادتها وقوانينها على إقليمها ومجتمعها يعني الفوضى والاضطراب وانعدام السلم المجتمعي وهو مايسمى في الادبيات السياسية (الدولة الفاشلة)، وهذا ما تسعى اليه الاطراف المجتمعية التي تعتاش وتنتعش في ظل فقدان هيبة الدولة. فتسعى لصنع الفوضى والانفلات من هيمنة الدولة ومنظومتها التشريعية لتمارس هيمنتها وفرض أجندتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية بما تمتلكه من قوة السلاح.