ويليام فوكنر.. غموض الكتابة وتعقيدات الحياة

ثقافة 2020/05/18
...

 
عفاف مطر
 
 
ظل ويليام فوكنر (1897 – 1962) كاتباً غير مشهور في الولايات المتحدة، حتى اكتشفه النقاد والقراء الفرنسيون الذين اعتادوا على قراءة الروايات والأعمال الفنية الغامضة أو المعقدة من خلال متابعتهم لأعمال مارسيل بروست ورواد المدرسة السريالية، وحتى جيمس جويس بعد ترجمته إلى الفرنسية ومع ذلك فإن الشهرة الفعلية لفوكنر لم تصله إلا بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب عام (1950) إذ شاهد أهالي بلدته صورته إلى جانب ملك السويد.
في بداياته الأولى كان فوكنر يقول إنه مزارع ويناقش في أمور الزراعة والصيد أكثر مما يتحدث عن الأدب، وفي تلك الفترة كان ايفانز هارنفتون، رئيس قسم اللغة الإنكليزية في جامعة "أولي ميس" يقوم بتدريس قصته "وردة إلى اميلي" لطلاب المدارس الثانوية الذين كانوا يتبادلون نظرات الخيبة، وحينما سألهم عن رأيهم في هذه القصة أجاب أحد الطلاب بأن المؤلف "مجرد فوضوي".
 
عقدة الجامعة
وعندما اقترح بعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعة منح فوكنر شهادة فخرية قوبل هذا الاقتراح بالرفض من إدارة
الجامعة وبعد فوزه بجائزة نوبل وافق المعترضون على منحه الجائزة فقال الآخرون:
يا للعار، لا يمكننا أن نمنحه هذه الشهادة الآن، لقد فات الأوان.
وكان وليام فوكنر قد هجر الدراسة الجامعية دون أن يحصل على شهادة.
تقول الكاتبة اليزابيث سبنسر:(إنه واحد منا، كان يعيش هنا في اكسفورد، وقد هزنا لأنه عرض صورتنا على الناس في أماكن أخرى، من خلال قصصه المتلاحقة التي كانت تخرج من خزانته).
 
حكاية البريد
في عام 1924 أصدر فوكنر ديوان شعر لم يثر انتباه القراء أو النقاد، وفي ذلك العام استقر كمدير لبريد الجامعة في مدينة اكسفورد في المسيسبي بعد أن عمل نجاراً ودهاناً في المنازل، لكنه لم يكن منسجماً مع العمل الوظيفي فاستقال، غاضباً وجاء في كتاب استقالته: لعنني الله إذا كنت أرغب في البقاء في خدمة كل أفاق لعين يستطيع أن يشتري طابعاً بريدياً 
بقرشين. 
ولكن أحد أصدقائه قال عنه: "كان أسوأ مدير للبريد على الإطلاق" وشكا الموظفون في الجامعة من أنهم كانوا يجدون رسائلهم في القمامة أو قرب الأبواب الخلفية، أما المجلات والمطبوعات فكانت تتأخر في الوصول إلى أصحابها، إذ إن فوكنر كان يحاول قراءتها قبل أن يرسلها إليهم، كما كان يغلق مكتب البريد مبكراً لممارسة هوايته المفضلة في لعب الجولف أو الصيد بصحبة كلابه، وبعد أكثر من ستين عاماً أقيم في مدينة اكسفورد احتفال بمناسبة إصدار مصلحة البريد لطابع يحمل ذكرى فوكنر، وفي هذا مفارقة ساخرة أخرى.
 
عقدة الطيران
روى فوكنر قصصاً وحكايات تتسم بالمبالغة حول علاقته بالطيران الحربي، عندما عاد من كندا بعد الحرب العالمية الأولى، فكان يتحول في بلدته وهو يرتدي زي ضابط بريطاني، ويعرج في مشيته، ويزعم أن لديه جرحاً في رأسه بسبب حادثة في الطيران الحربي، والحقيقة التي تكتشف في ما بعد تقول، إنه لم يكمل الدورة التدريبية للطيران، وإنه لم يغادر كندا تلك الفترة، حيث تطوع في سلاح الجو البريطاني المرابط في كندا بعد أن أخفق في تحقيق هذه الرغبة في الولايات المتحدة.
وظلت علاقة فوكنر بالطيران مستمرة، فكان يمارس مع اخوته هواية التحليق بالطائرات الصغيرة وحينما يطير الأخوة الأربعة معاً وليام وموري وجون ودين، كانت الأم تفزع وتقول: ليس لي أولاد على الأرض!!..
 
عرنوس الذرة
في الفترة من 1929 إلى 1932 نشر فوكنر أهم رواياته وهي: سارتوريس، الصخب والعنف، عندما أرقد محتضرة، ونور في آب "أغسطس"، وكلها ظهرت عندما كان الكاتب مجهولاً ومهملاً، أما روايته "الهيكل" التي كتبها عام 1931 فقد جلبت له بعض الشهرة وسلطت عليه الأضواء بعد أن تحولت إلى فيلم سينمائي ويسميها أبناء البلدة (عرنوس الذرة) على سبيل التهكم، لأن الحدث الأساسي فيها يعتمد على استخدام عرنوس من الذرة، ومع ان سكان البلدة لم يهتموا بقراءة رواياته في تلك الفترة إلا أنهم كانوا يتساءلون في ما إذا كان يكتب عنهم أو عن بعضهم في رواياته وكتبه التي تجاوزت الخمسة والعشرين
كتاباً.
 
فوكنر وهوليوود
تحولت ثلاث روايات من أعمال فوكنر إلى أفلام هي "الهيكل" و"دخيل في الغبار" و"الصخب والعنف"، كما شارك في كتابة السيناريوهات والحوارات في هوليوود على مضض، فقد كان بحاجة إلى المال، ولم تكن هوليوود في علاقاتها المعقدة تناسب مزاجه غير أن تصوير فيلم "دخيل في الغبار" من إخراج كلارنس براون وإنتاج مترو غولدوين ماير عام 1949 أخذ طابعاً احتفالياً، حيث جرى التصوير في مدينة اكسفورد ومقاطعة لافاييت وكان سكان المدينة يتجمعون في الشوارع حسب طلب المخرج، كما شارك طلاب الجامعة وحاكم الولاية في أداء أدوار مختلفة في مشاهد هذا الفيلم الذي يعكس بشجاعة الظروف التي كان يعيشها الملونون في الجنوب الأميركي، ولكن فوكنر لم يحضر حفل العرض الأول للفيلم في
اكسفورد.