تنسيق تركي – أميركي غير مسبوق.. وأنقرة: إردوغان أقنع ترامب بالانسحاب من سوريا

قضايا عربية ودولية 2018/12/27
...

اسطنبول / فراس سعدون
تشهد العلاقات التركية – الأميركية تنسيقا غير مسبوق منذ إعلان الرئيس دونالد ترامب سحب قوات بلاده من سوريا في قرار أفادت أنقرة بأن الرئيس رجب طيب إردوغان كان وراء اتخاذه عقب اتفاق الرئيسين على بدء عمل مشترك لملء أي فراغ يحدثه الانسحاب الأميركي.وتعمل تركيا على طمأنة الأطراف الأخرى في الصراع السوري، وفي المقدمة روسيا وإيران، إزاء تقارب تركيا الأخير مع الولايات المتحدة، ونيتها التوغل أكثر داخل الأراضي السورية، ولعل هذا ما دفع الرئيس التركي إلى لقاء نظيره الإيراني، ورغبته في لقاء نظيره الروسي؛ حليفي الرئيس السوري.وعلى الأرض؛ حشدت تركيا آلاف المقاتلين من قواتها المسلحة والفصائل السورية التابعة لها في محيط مدينة منبج، وسط استعداد آخر للعبور إلى المناطق الواقعة شرق نهر الفرات، لضرب قوات سوريا الديموقراطية التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي (PYD)، ووحدات حماية الشعب الكردية (YPG) المصنفة إرهابية في سجلات أنقرة.
إردوغان أقنع ترامب بالانسحاب 
ومحاربة (داعش)
وقال إبراهيم كالن، المتحدث باسم الرئاسة التركية، في مؤتمر صحفي عقب اجتماع الحكومة التركية في أنقرة برئاسة إردوغان، إن بدء تفعيل آلية الانسحاب الأميركي من سوريا جاء “نتيجة دفع إردوغان ترامب لهذا القرار بدواعٍ مقنعة خلال مكالمتهما الهاتفية التاريخية في 14 كانون الأول الحالي”. 
وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تدافع عن بقاء القوات الأميركية في سوريا وإسنادها لقوات (PYD) / (YPG) في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، في حين يبدو أن إردوغان أخبر ترامب بأن تركيا قادرة على دحر بقايا داعش.
وذكر كالن أن “رئيس بلادنا قالها بشكل واضح وصريح الولايات المتحدة وتركيا ليستا بحاجة إلى تنظيم (PYD) / (YPG) الإرهابي من أجل القضاء على (داعش) وتطهير المنطقة منه”.
وردّ المتحدث الرئاسي على المخاوف المطروحة من أن يؤدي الانسحاب الأميركي إلى عودة (داعش) مجددا، مفيدا “في إطار التحالف العالمي الساعي لهزيمة داعش نود أن نعبر مجددا عن أننا لن نسمح بتكرار مثل هذا الأمر على التراب السوري، أو التراب العراقي، أو التراب التركي”، متابعا “تركيا حيّدت أكثر من 3 آلاف عنصر من (داعش)، في عملية درع الفرات بسوريا، بحيث لم يبق أي إرهابي من هذا التنظيم على خط جرابلس - الباب، الأمر الذي ينطبق على عفرين أيضا”.
وشدد على أن تركيا ستبدي العزيمة نفسها في محاربة (داعش) بعد اليوم أيضا، سواء كان ذلك في منبج، أم الرقة، أم دير الزور، أم أي مكان آخر.
 
ترامب يزور تركيا بعد وفد عسكري
ويتجلى التنسيق التركي – الأميركي على شكل زيارات مقررة عسكرية ودبلوماسية رفيعة المستوى.
وأعلن كالن “سيزور وفد عسكري أميركي بلادنا خلال هذا الأسبوع، ويبحث مع نظرائه الأتراك التنسيق بشأن الانسحاب من سوريا”. 
وأكدت هيذر باب، المتحدثة باسم البنتاغون، انعقاد اجتماعات في تركيا هذا الأسبوع، مبينة أن الاجتماعات ستبحث “التنسيق في جميع القضايا التي تمس الأمن التركي والوضع في شمال شرق سوريا”.
وسبق لأنقرة وواشنطن تشكيل 3 لجان مشتركة لبحث الملفات العالقة بين البلدين.
وأعلن كالن أن ترامب سيزور تركيا في 2019 تلبية لدعوة من إردوغان، في حين أعلن هوغان غيدلي، المتحدث باسم البيت الأبيض، أن إردوغان وجه دعوة إلى ترامب لزيارة تركيا، مبينا “بالرغم من أنه ليس هناك شيء محدد يجري التخطيط له، فإن الرئيس مستعد لاجتماع محتمل في المستقبل”.
 
إردوغان يريد لقاء بوتين
 بعدما التقى روحاني
وتشكل تركيا والولايات المتحدة طرفين في الصراع السوري دعما فصائل معارضة للرئيس بشار الأسد، مقابل محور روسيا – إيران الداعم للأسد، ولكن الأتراك عملوا مع جميع الأطراف والمحاور في سوريا، وعلى رأسهم الروس والإيرانيون، ما يجعلهم حريصين على إرضاء الجميع.
واستقبل الرئيس التركي نظيره الإيراني حسن روحاني غداة إعلان ترامب قرار الانسحاب من سوريا، في وقت أبدى فيه رغبته في لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وقال إردوغان، في حديث صحفي، إنه سيلتقي بوتين على الأرجح لبحث الانسحاب الأميركي من سوريا، من دون أن يكشف عن موعد اللقاء.
وصرّح مولود جاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، بأنه سيزور روسيا في غضون أيام لمناقشة لقاء إردوغان – بوتين، فضلا عن مستجدات الانسحاب
 الأميركي.
ونفى ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، وجود خطط للقاء قريب بين بوتين وإردوغان.
وعملت تركيا مع روسيا وإيران عسكريا في إدلب وجبهات سورية أخرى، وسياسيا في اجتماعات أستانة، وقمم جمعت إردوغان ببوتين وروحاني.
وقررت تركيا إبقاء 12 نقطة مراقبة عسكرية عائدة لها في إدلب للمحافظة على اتفاقي خفض التصعيد والتوتر وإقامة المنطقة 
المنزوعة السلاح.
تحشيد تركي لمنبج وشرق الفرات
وحشدت تركيا آلاف العسكريين عند حدودها الجنوبية وداخل الأراضي الخاضعة لسيطرتها في الشمال السوري، استعدادا لشن أي معركة تستهدف تنظيم (PYD) / (YPG) المعادي لأنقرة في منبج.
وذكرت صحيفة يني شفق المقربة من إردوغان إن 8 آلاف عسكري يتمركزون في النقطة صفر عند حدود منبج، انتظارا لأي أمر من الجهات العليا بشن عملية ضد تنظيم (PYD)/ (YPG).
وأكد إردوغان أن “تركيا لن تترك سوريا تحت رحمة التنظيمات”.
ويجري إمداد العسكريين الأتراك وحلفائهم السوريين في محيط منبج منذ أيام بتعزيزات على شكل أرتال تحمل دبابات، ومدافع، ورشاشات ثقيلة، وذخائر مختلفة، في مشهد يكشف عن التحضير لعملية كبيرة.
وعاد كبار المسؤولين في حكومة إردوغان إلى التصريح عن شن عملية ضد تنظيم (PYD)/ (YPG) شرق الفرات، إثر إعلان إردوغان إرجاء مثل هكذا عملية إلى “مدة غير مفتوحة”.
وقال خلوصي آكار، وزير الدفاع التركي، لصحفيين في مقر البرلمان التركي “تم التخطيط لكل شيء، وتسير الأمور وفقا للزمن المحدد”.
وعلق أكار على خارطة طريق منبج التي تعثر تنفيذها أكثر من 3 أشهر “يتم العمل عليها، سنلتقي مع الأميركيين خلال الأيام المقبلة. العمل مستمر بشكل مكثف، ولا تواجهنا أي مشاكل، وسيتم تحديد جدول زمني، ومن ثم إعلانه”.
وكان وزير الخارجية التركي صرّح بأن أنقرة اتفقت مع واشنطن على إكمال بنود خارطة طريق منبج قبل الانسحاب الأميركي.
وقال جاووش أوغلو، عن عملية شرق الفرات، إن القوات التركية عازمة على العبور إلى شرق نهر الفرات في أسرع وقت ممكن.
 
المعركة قادمة بكل الأحوال 
ورأى حسين عبد العزيز، الكاتب والمحلل السياسي، أن “إعلان الانسحاب الأميركي من سوريا أربك جميع الأطراف المحلية والإقليمية الموجودة في الساحة السورية”، عازيا هذا الارتباك إلى “الانشغال بمن سيملأ الفراغ الأميركي في سوريا، وسط نزاع مختلف الأطراف على النفوذ”.
وقال عبد العزيز، في حديث لـ”الصباح”، إن “هناك عملية عسكرية ستحدث في الشمال السوري بكل الأحوال، لكن ليس الآن أو سريعا، ربما تنتظر تركيا حتى سحب نقاط المراقبة الأميركية من الشمال، أو ربما تنتظر إجراء التفاهمات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة من جهة، ومع روسيا من جهة ثانية”.
وبيّن أن “تركيا ستدخل بعمق 15 – 25 كيلومترا في الأراضي السورية على شريط يمتد لنحو 500 كيلومتر”. وأردف “إلى الآن غير معروف ما إذا كانت ستدخل المدن الرئيسة مثل منبج أو عين العرب (كوباني)، مواصلا “مثل هذا الأمر كان قبل الانسحاب الأميركي مستحيلا ولكن في أعقاب الانسحاب الأميركي يصبح ممكنا. وهناك حديث يجري عن مدينة تل أبيض باعتبارها المكان الرخو من الناحية الجيوستراتيجية بسبب وجود أكثرية عربية، ولأنها لا تمثل ثقلا ستراتيجيا للأكراد”.
ويخلص الكاتب والمحلل السياسي إلى أن “ما تريده تركيا هو درء مخاطر قيام كيان كردي يهدد مصالحها العليا، وهذا يتم بالتوافق مع الروس، فللطرفين منفعة في إعادة ترتيب الشمال السوري”.