{ومض الأجنحة} عالم مخضب بالآمال

ثقافة 2020/06/01
...

عبد الصاحب  البطيحي 
 
كتاب للشاعر جاسم العلي يحتوي على واحد وتسعين نصاً شعرياً، تتفاوت في الطول ، يكشف العنوان " ومض الأجنحة " على رغبة الشاعر بأن يمهد للقارئ مطالعة دفقات من عالم هو مزيج من الحقيقة والخيال ، مخضب بعطر الطموح والآمال ، يصارع الخيبات بدفء المشاعر النبيلة  . الومض هو السرعة الخاطفة ، تأتي على اجنحة الخيال ، تلك التي تخفق ، تلك التي تهب الأفكار والأحاسيس من دون عنف ، فهي تخلق اجواء الدعّة والارتياح من جهة ، ومن جهة اخرى تكشف للقارئ مسارب الحياة ، بكل ما فيها من وضوح أو تعقيد .
ليس من الضروري ان تكون النصوص تعبيراً عن الذات بصورة مطلقة أو نقلاً للمشاعر والتجارب الشخصية ،  فقد تكون قناعاً أو صورة من الحياة التي يريد الأديب أن يهرب من اجوائها ، كل هذا هو ما يريد العنوان ان يوحي به الينا فهو يحملنا على ان نستعين بأجنحة هي ذاتها التي استعارها الشاعر . اذن شاعرنا ليس من مهمته التحليق في اجواء اللامعنى والاكتفاء بوقع الكلمات ، فهو استعار قناعاً، حمل رسالة تحقق متعةً للكاتب ومثلها للقارئ ، تكمن في مضمونها اهدافٌ نبيلةٌ   .
قراءة نصين   
النص الأول :
منذ الوهلة الأولى  يطالعنا أول نص عنوانه : " نهايات " ، صيغت في الفقرة الأولى منه  بأسلوب شعري ، حكاية تتسم بها العلاقات البشرية المجتمعية ، تظهر في العادة في كل مكان وزمان  ، عند التأويل نرى الشاعر يصوغ كلماته مستوحياً واقعاً ملموساً يواجهه كل يوم ، فهو هنا شاهد وراوٍ ،وكذلك متفاعل يتحسس نتائج التأثير . يسمع ما  يدور حوله ، يرمز الى ذلك بـ " الشارع الممتد  "  الذي يسمع " همس الروح .. لا صوت الكلمات "، يتم ذلك بوسيلة أنسنة الجماد ونعني به الشارع الذي يمثل هنا مكان الأحداث التي تضيق بها الأنفاس ، معبراً عن ذلك الضيق بـ "الجدران " ، يعاكس ذلك " رواق " الجنرال بكل ما يوحي به من  أناقة ونظام . 
تتشكل صورة المكان  الذهنية القاتمة تلك برديفها زمان يرتسم عبر الكلمات  ، تنعدم فيه الأنساق ، فهو زمن " فوضى الأنفاس" حيث لا حرية لرأي نبيل ،و لا حرية لعمل مثمر بناء  ، تسوده :  لك أن تسمع وترى ، لكن عليك أن لا  تنطق بما تراه   .
تتمثل السلطة الفوقية بالشخصية المتخيلة لـ "الجنرال" الذي اعتاد ان تكون أقواله أوامر ، كما اعتاد أيضاً ان يتلبس لباس الزهو والغطرسة  وأن يطرب عندما يسمع المدائح تنهال عليه دونما تبصر  ، يصدح بها متزلفون يشير لهم الشاعر بـ " الباعة " وصوتهم  الذي يتسلل بجوار رواقه . وللمتزلفين ،دائماً ،دور سلبي مؤثر في حركة المجتمع بما يجيدونه من طقوس الخضوع والتملق  .
 
النص الثاني : 
يطالعنا النص بعنوان : " بغداديات " ، كلمة واحدة تكمن فيها دلالات عديدة ، توحي اولاً باهتمام الشاعر بالمكان الذي يسهم في تكوين مزيج المشاعر التي تعتلج في صدر الشاعر ،والمكان هنا لا يشير الى مدينة محصورة في مساحة صغيرة حسب بقدر ما يتمثل بمساحة اوسع ، هي الوطن الذي يمكن ان يتسع ليشمل العالم ، من هنا  يغلف العنوان مشاعر تلتصق بالمحلية والعالمية .
 اعتمد الشاعر صيغة المتكلم قناعاً يعبر من خلاله عن خاص وعام ،الخاص منه يظهر مدى مصداقية المشاعر الفردية التي يتخللها المتن ، والعام هو الاشارة الى ان المتكلم هو ذلك الجمع من الناس الذين يحملون اتجاها فكريا رافضا لواقع رديء ملموس ، اذن هو هنا خطاب تحريضي يكشف زيف واقع معاش  . الناس تتعلق حباً بالوطن ، ترنو اليه " كنجمة في الأقاصي البعيدة " ، والجمال والشروق وتفتح الأمل عوامل جذب 
" أنت تسبحين / بندى الفجر / والغبش يشدني /لصدرك المسك / عطر أماسي .
غير ان الوطن يعيش في زمن متهاوٍ ،ما يربك الحركة الرشيقة المنتجة ، تحل محلها قفزات مرتبكة ، غير واعية :
 " أرقص رقصة، قلب تملكه زمان الوهن ."
تكثر الرزايا وتثقل الهمومُ القلوبَ فيستجير الناس  
" ما الذي أحكيه ، والهموم كثار"
ويظل سؤال حائر ينتظر الجواب ، معبراً بذلك عن حالة القنوط في الظاهر وفي الجوهر دعوة للتغيير 
" أيوجد في قفارك ، واحة للتمني ؟ "