استطلاع/ صلاح حسن السيلاوي
بماذا يفكر المثقف العراقي، ما الذي يحاول أن يقوله ويفعله في زحام هذه الحياة، الحياة التي صارت تشبه طريقاً مفخخاً بالاحزان والمواجع والأوبئة،؟ ماذا يمكن أن يغير في مسارات الذائقة وكيف يمكن ذلك،؟ ما رأيه ببعض المفاهيم التي راحت تتشوه وتبتعد عن جادة الجمال.؟ هنا توجهنا بسؤال لكل مثقف عن قضية يهتم بها المشهد الثقافي وتؤثر نتائجها في المجتمع.
الفساد الثقافي
الشاعر جمال جاسم أمين سألناه عن الفساد الثقافي ومضامينه فذهب برأيه إلى أن جميع أنواع الفساد ثقافية في جوهرها، أي أنها تنطلق من ثقافة مجتمعية فاسدة اساسها الاستحواذ بلا وجه حق، او الغرائزية التي تحدث عنها أمين في اكثر من موضع، وفي ما يخص رأيه بفساد الثقافة بوصفها إبداعا أدبيا وفنيا، أكد أن ذلك يكمن في أزمة المعايير في هذا المضمار، وأضاف قائلا: الثقافة العراقية اليوم عائمة ومن اوجه عديدة، اولا هي سائبة من الناحية القانونية فلا تشريع يحميها او يسندها وثانيا تعيش ازمة توصيف، من هو المثقف؟ ما دوره واين؟
ثمة ضجيج بلاغي بارد بلا اثر ابدا، الاعلام و المؤسسات التقليدية هي المستفيدة من هذا الضجيج لتمويل ماكنتها الدعائية، اما الثقافة بوصفها فعلا وإرادة تحوّل و تجديد فلا مكان لها.
الثقافة بوصفها عدة نقدية تعيش أكثر من أزمة، بل ان الطارئين هم من يفتعلون هذا الضجيج لكي يخفت كل صوت اصيل، ترى كيف السبيل للإصلاح في ظل كل
هذا؟
ربما على سبيل الحلم سنتحدث عن حاجتنا لثورة ثقافية مفترضة بالتأكيد ستلاقي عقبات من شتى الانواع اولها رفض المستفيدين والوصوليين لها.
عشوائيات الحياة الثقافية
الشاعر الدكتور عماد العبيدي تحدث عن غياب الحس السياسي والنخبوي ، لما يتأثر به الواقع العراقي ، من تنامي لفوضى على صعد متعددة، وانطلق العبيدي بحديثه من العشوائيات السكنية التي احاطت بالمدن وتخللتها مشيرا الى اثر ذلك في الحياة العراقية على مستوى غياب التخطيط العمراني، الذي من شأنه أن يضيف ترديا اجتماعيا، وذلك لأن نوع السكن يؤثر في جميع الفعاليات الاجتماعية، كما هو معلوم، لافتا إلى ان التردي لا يتوقف عند حد ذلك ، فالعشوائيات في الحياة الثقافية مستمرة، من خلال غياب الدعم للمؤسسات الإبداعية، مثل دور النشر والترجمة وما شابه، فضلا عن مؤسسات السينما والمسرح والدراما ما يؤدي الى تخلخل الذوق العام فيما لو استمرت هذه العشوائية.
سوء فهم الأدب النسوي
الروائية الدكتورة رغد السهيل تحدثت عن مفهوم الأدب النسوي فرأت أن هنالك سوء فهم لمعنى الادب النسوي، مشيرة إلى أنه ينبع من النظرية النسوية الفلسفية العالمية، التي لها مؤيدوها من الرجال ايضا، لافتة إلى أن الفكرة بوضع النساء في العالم بمواجهة قضايا واحدة مشتركة، تتمثل بأشكال وصور عديدة، فمتى ما أدركت النساء هذا الأمر الواقع كن نسويات، على حد وصفها.
وتذهب السهيل إلى أن لهذه النظرية روافد ومنها الأدب والكتابة كفعل ابداعي تعبيري عن الواقع المشترك،وهناك روافد اخرى منها الفن والسياسة والتعليم والاقتصاد
وغيرها.
ملخصة القضية في الادب، بأهمية خلق لغة مشتركة بين النساء تعتمد رفض الخنوع ومعالجة مشكلاتهن بانفسهن، ومقاومة الواقع المفروض عليهن، مؤكدة عدم إمكانية إتمام هذا الا اذا كانت المرأة حرة في لغتها التعبيرية، بعيدة عن المراوغة والمجاملة في ما تكتب، مبينة أن القضية أكبر وأصعب من التابوات المعروفة، وهذا ما جعل الروائية فيرجينا وولف تدعو الى أن تكتب المرأة في غرفة خاصة تطرد منها ذلك الملاك الحارس الذي يفرض عليها مجاملة هذا وذاك، وصورت نفسها بانها تقذف المحبرة بوجه ذلك الملاك كلما اقترب منها.
واضافت السهيل قائلة: الأمر معقد للغاية، ولابد هنا للمبدعة حتى تجد لغتها الخاصة من البحث والدراسة والتأني والجد الحقيقي ودراسة تجارب الشعوب، المشكلة الكبرى التي تواجه الكثيرات انهن يقضين الوقت في العمل على توفير الظروف الملائمة ليكتب فيها الرجل، وأقصد هنا حجم الاعباء المنزلية على كاهل
العراقية.
النسوية فلسفة كبرى تمنح المرأة لغتها الخاصة لتغير بعض القيم السائدة، فيكون منجزها مختلفا عن الرجال متفقا مع باقي النسويات، من وجهة نظري المتواضعة اعتقد أن هذه التجربة ما زالت بطيئة جدا في العراق، وفي الوقت نفسه هناك كتابات تسيء للنسوية عندما تجعل المرأة زميلتها بصورة الكائن المحطم المهمش الذي لا حول له ولا قوة، ولا حتى رغبة بالمقاومة، أو صورة للمتعة الرخيصة التي ربما تجعل الكتاب مطلوبا تجاريا
لا ابداعيا.
من جانب آخر هذه الفلسفة كممارسة عملية موجودة في واقعنا، فالنابشات في النفايات وبائعات قناني الغاز والعاملات في المسطر هؤلاء سيدات مظلومات نعم لكنهن اخترعن لأنفسهن عملا ضمن المتوفر والمتاح لهن لمقاومة الظرف الصعب للاستمرار في الحياة، رغم ان الآخر لا يرى فيهن الا الجانب الضعيف، نحن بحاجة لاظهار قوة التحمل وحجم المقاومة لدى هؤلاء، لهدف ادانة أصحاب القرار لعدم ايجاد حلول لهن، وهذا على سبيل المثال...الفلسفة النسوية قادرة على تغيير الخطاب الذكوري السائد في الوسط الثقافي بخلق ابداعي جديد مختلف، خطاباً ولغة وفكرة وقد يقف الناقد الرجل أمامه في حيرة ما يضطره لتغيير
نهجه النقدي وهذا يخلق حركة ثقافية جديدة.
ثقافة الأغنية العراقية
الشاعر حمدان طاهر المالكي توجهنا له بسؤال عما يراه من مستوى ثقافي في الاغنية العراقية الحديثة فأشار إلى أن تشابه الاغاني المنتجة في السنوات الاخيرة في الكلام واللحن، فضلا عن تدني كلامها الذي لا يصلح حتى للنوادي الليلية على حد قوله نتيجة حتمية لواقع الحروب والحصار والموت المتكرر والفوضى التي انتشرت في كل مفاصل
الحياة.
وأضاف : من الصعب السيطرة على هذه الموجة لأن هناك مؤسسات وقنوات فنية تدعمها وتسوقها, لكن بالامكان الحد من هذا التردي عن طريق مؤسسات مدعومة من الدولة تأخذ على عاتقها انتاج وتسويق الاعمال الغنائية الرصينة وتفعيل لجنة لفحص النصوص المغناة والترويج لغناء عراقي أصيل, ولا يمكن بأي حال نسيان دور النخب الثقافية والفنية التي تقع عليها مهمة كبيرة من خلال تأكيد وترسيخ الغناء العراقي كهوية حقيقية لحضارة وأرث البلاد والإشارة الى كل ألوان الغناء الهابط كغناء لا يستحق أن يكون له مكان وجمهور، لأنه تخريب للذائقة واعتداء على المفاهيم الفنية.