حسن العاني
كلما انتابني الغضب وتوترت اعصابي من هذه الفضائية المأجورة او تلك, من الفضائيات التي لا يهدأ لها بال ولا تشعر بالسعادة الا اذا نجح مقدمو برامجها من الجنسين في اشعال الفتنة بين (السنة والسنة) و(الشيعة والشيعة) و(السنة والشيعة) و(الاصلاح والفتح) و(العرب والكرد) و(الكرد والتركمان), وكأنهم من بلدان متعادية متحاربة وليسوا أبناء وطن واحد.. اقول كلما استفزت هذه الفضائيات عراقيتي ووطنيتي غادرت مقعدي وتوجهت الى ركن من غرفة المكتبة حيث احتفظ بآلاف الصحف والمجلات القديمة التي يرجع تاريخ بعضها الى اكثر من ستين سنة, ففي هذا الكنز من قديم المطبوعات أجد عزائي وسلوتي مع عشرات الاخبار الغريبة او الطريفة.
قبل شهر تقريباً وأنا اغادر مقعدي غاضباً, وفيما كنت أراجع احدى الجرايد القديمة التي يعود تاريخها الى مايس 2005، استوقفني خبر فنطازي عن رواتب الكلاب في المنطقة الخضراء, فأنها بخلاف (السونارات) التي لا تميز بين البارود واحمر الشفايف, تتمتع بحاسة شم حادة, وتتلقى تدريبات خاصة تمكّنها من التعرف على الاسلحة المحظورة والمتفجرات واعداء العملية السياسة!! ونظراً لدور هذه المهمة الامنية الكبير, فأنّ الكلب الواحد يتقاضى راتباً شهرياً قدره (15مليون دينار) تقبضه الشركة المسؤولة عن توفير الحماية, وهناك بالطبع (مخصصات مخاطر مهنة وعلاوات وترفيعات)، وهذا الراتب خاص بالكلاب البالغة، اما الكلاب المراهقة (أي برتبة جرو) فتتقاضى راتباً شهرياً يصل الى (12) مليون دينار!!
لاشك بأن اخباراً من هذا القبيل أدعى للمتعة والفائدة من الفضائيات اللئيمة, ولكنني وجدت نفسي محاطاً بالعديد من الافكار المشوشة والاسئلة المرتبكة والمفارقات الاجتماعية والاقتصادية, فنحن فصيلة الحيوانات الناطقة- كما تم تصنيفنا علمياً-على سبيل المثال, نقيم الدنيا ولا نقعدها, ونطالب بالفصل العشائري, اذا تجرأ أحد وقال لنا (ابن الكلب), حيث ننظر الى هذا التعبير دائماً بسوء نية مفرطة, متوهمين ان المقصود بذلك هو الكلب السائب في الشوارع, بينما لو فكرنا بإمعان، وحسُنت نوايانا, فيمكن جداً ان يكون المقصود بعبارة ابن الكلب، هو كلب الحماية او الكلب الأمني في المنطقة الخضراء, وفي هذه الحالة وضمن اية حسابات تصبح العبارة نوعاً من المديح البلاغي، لان ابن الكلب والحال هذا يعني في الدلالة البلاغية انه (كناية عن ذوي المدخولات العالية الذين يتقاضون راتباً شهرياً يفوق رواتب 125 متقاعداً, وانهم لا يسألون عن الحصة التموينية ولا يأكلون منها!!)، وهكذا اصبحت ادور في حلقة مفزعة الى الحد الذي تمنيت معه ان أكون كلباً بالغاً يدخل جيبه 15 مليون دينار بدلاً من نصف مليون هو راتبي التقاعدي.. وقد دعوت الله دعوة (خاصة) تشمل اهل بيتي واقاربي ان يكونوا كلاباً راشدة او في الحد الأدنى مراهقة!! عندي صديق يعمل براتب (600) ألف دينار, أطلعته على هذه المقالة قبل نشرها، ولانه طماع جداً طلب مني ان أشمله بدعوتي الخاصة لكي يصبح (كلباً ابن كلب), أي براتب قدره (27مليون دينار)... بالمناسبة هناك دعوة (عامة): بابها مفتوح للراغبين!!