ستراتيجيات التنوير العربي

ثقافة 2020/06/05
...

يوسف محسن 
 
هل نحتاج الى ثورة لاهوتية في الإسلام؟ هذا السؤال جوهري طرحه هاشم صالح في كتابه الجديد (العرب والبراكين التراثية هل من سبيل إلى إسلام الأنوار؟) يقول : سيحدث قريبا حتما مثلما حصل في المسيحية الكاثوليكية التي كانت تكفيرية أيضا، وعدوة للتنوير الديني 
والفلسفي.
ولكنها اضطرت إلى تغيير مواقفها وفتاواها بالقرون الوسطى تحت ضغط الحداثة الصاعدة في أوروبا، وشهدت ثلاث أو أربع ثورات لاهوتية بهدف التصالح مع الحداثة وروح العصر من بينها ثورة مارتن لوثر والإصلاح الديني قبل 500 سنة، ثم شهدت المسيحية الأوروبية ثورة لاهوتية جديدة في عصر التنوير على يد فولتير وكانط، وشهدت في القرن التاسع عشر ثورة ثالثة تمثلت باللاهوت الليبرالي أو لاهوت الحداثة، والآن تشهد ثورة رابعة تحت اسم (لاهوت ما بعد الحداثة)، اذن نحن نحتاج ثورة لاهوتية ضخمة في الإسلام تمحو كل الفتاوى والشرائع والتفاسير القديمة، ويجب محو الثقافة الدينية التي ولدت الإخوان وداعش والوهابيين وبوكو حرام والقاعدة وأنصار الشريعة وعشرات غيرهم).
هاشم صالح المترجم شبه الحصري لأعمال محمد أركون، المنادي الكبير لإسلام 
الأنوار. 
والمتابع الدؤوب لتطورات الفكر الأوروبي التنويري، وبخاصة الفرنسي، الذي كسح ظلمات العصر الوسيط حتى اندلاع الثورة الفرنسية عام
1789. 
يعتمد هاشم صالح في كتابه ( البراكين التراثية) على المقارنة بين الشرق والغرب وبين الإسلام وباقي الأديان، لا سيما المسيحية وباستخدام احدث المناهج والتقنيات الفكرية الشاغلة في الحقل الثقافي الاوروبي، فضلا عن المفاهيم والمقولات في حقل القراءات 
الفكرية . 
في هذا الكتاب وضع صالح خلاصات عامة رأى أنها قادرة على إرساء المصالحة المطلوبة والملحة بين الإسلام والحداثة، من أجل تجاوز الانسداد التاريخي الذي يقف حائلاً دون مواكبة المسلمين للأمم المتقدمة والقفز على عبء الماضي التراثي لبناء 
المستقبل.
والسعي الى تفكيك الانغلاقات اللاهوتية والمطالبة بالقطيعة الإبيستمولوجية مع العديد من الثوابت والذهاب الى الفهم العقلاني لحركة التاريخ فهم يستوعب بالضرورة فكرة الأنوار(التسامح، الانفتاح، احترام الآخر ونشدان التقدم) يستهل الكاتب حديثه في المقدمة برحلته من دمشق إلى باريس معترفا أن سفره شكل الولادة الثانية والحقيقية بالنسبة إليه ولادة على الفكر والحرية، وعلاجا له بالفن والغناء والسينما والعشق والغرام والأدب والشعر، وعالم الكبت الجنسي والاختناق السياسي والاجتماعي والديني وصل إلى حد 
لا يطاق. 
هذا وقد اعترف الرجل أيضا ان اطلاعه على فلاسفة التنوير شكل حدثا أساسيا في حياته، وإن كان قد أدخله كما يقول في مرحلة من التيه الفكري جعلته يعتقد واهما أن هموم المثقفين الأوروبيين هي نفسها هموم المثقفين العرب، وبالتالي فإن مهمته كمثقف هو الآخر تكمن بالأساس في تعريف القراء العرب بآخر ما توصل إليه الفكر الإنساني من نظريات مستحدثة واكتشافات معرفية غير مسبوقة. لكنه (استدرك الأمر واستشعر حجم التفاوت التاريخي) بين المجتمعات .