وللحيوانات فلاسفة!!

ثقافة 2020/06/08
...

 

أسعد الجبوري

دونكيشوت: هل لك أن تخبرني يا سانشو، ما الذي يأكله التاريخ حين يجوع ؟

سانشو: كباب أربيل.

دونكيشوت: وأين قرأت عن ذلك يا سانشو ؟

سانشو: قرأت ذلك في الورقة التي تسقط  يومياً من التقويم المعلّق على الحائط.

دونكيشوت: اللعنة عليك يا أيها الأحمق. ساعةً أجدك ذكياً تقدح شرراً، وساعةً أراك كتلة لحم معبأة ببنطلون رث.

سانشو: تخوفتُ أن توبخني لو قلت لك الحقيقة يا سيدي الدون، ومع ذلك نلتُ منك هذا التشنيع بعقلي وما ينضحُ من أفكار!.

دونكيشوت: هات، وقل لي عن التاريخ  شيئاً يا سانشو.

سانشو: ليس التاريخ سوى مطعم، ناس تدخل لالتهام الأطعمة ابتلاعاً ولا تغص بسور الصين لو كان لقمةً، وناس تقف على الأبواب بانتظار الصدقات وفضلات الطعام،  ونظرات الازدراء التي تطلق سهامها أعينُ الضباع وحيتان المال العام

دونكيشوت: هبْ أنك ربحت بطاقة اليانصيب، فما الذي ستفعلهُ بتلك الأموال يا سانشو ؟.

سانشو: سأكري لحماري خادمةً آدمية حنونة، تطعمهُ شعيراً صحياً، وتسقيه الجعة السوداء وتعمل له المساج وتقرأ على مسامعهِ قصص الغرام.

دونكيشوت: ويحك يا سانشو، تريدُ أن تُدلّلَ البهيمة وتنسى أمور حياتك وشهوات نفسك المتراكمة عبر الزمن الشقي اليابس والمؤلم بالمتاعب ؟!.

سانشو: حماري أولى من صاحبه بالرِّفاء والبنين ، ولذا أريد له عروساً  تسقيهِ الغرامَ  قطرةً قطرةً حتى تبرز أضلاعهُ من صدره، وترتفعُ كما الجسور في الهواء الطلق.

دونكيشوت: لقد بدأت علاقتك بالحمار تخيفني يا سانشو .كنت أتوقع أن تبتاع بأموال اللوتو سيارة فارهة وفيلا على البحر وتكمل دينك بزوجة صالحة ، وكذلك تطبع كتاباً عن السيرة الذاتية لتاريخك العسكري في حرب الطواحين.

سانشو: لم تكن تلك الأشياء من أحلامي يا سيدي الدون، فكلّ ما أرغب به وأتمناه، هو أخذ حماري والسفر  معه إلى نيويورك، لنأخذ صورة تذكارية مع تمثال الحرية لا أكثر ولا أقل.

دونكيشوت: أهذا كل ما تحلمُ به يا سانشو ؟ .

سانشو: وهل التقاط صورةٍ مع الحرية الأمريكية بالأمر الهين يا سيدي الدون؟ .

دونكيشوت: طبعاً، فكل مواطن يستطيع أن يفعل ذلك بسهولة.

سانشو: ربما ، فذلك كان قبل عصر الكورونا يا سيدي الدون، إما بعد الفيروس، فهو قصة أخرى.

دونكيشوت: لقد بدأت تُنظرُ يا سانشو، ما الذي ضربكَ على رأسكَ لتصبح كاتب نظريات ؟!.

سانشو: تعلمت ذلك من هذه الدابّة الصبورة التي وزن عقلها يساوي ذهباً، انتظر، فسأدوّن ذلك في كتاب سيرتي الذاتية يوم أضع صورة حماري على الغلاف.

دونكيشوت: لا يعجبني هذا، فتعلقكَ بحمارك بات يشغلني يا سانشو!!.

سانشو: ذلك شيء حسنٌ، فأنا وحماري جسدُ واحدٌ في الصبر وتحمل مشاق التاريخ، ولكننا عقلان برأسين منفصلين ، رأسٌ يُعظم قدرتنا الأسطورية على حمل وتحمل أطنان من لُحوم البشر الفاسدة صبراً، ورأسٌ صافنٌ بكذب الهويات البيولوجية التي تُفرق ما بين فلسفة الحيوان والإنسان

دونكيشوت: اللعنة عليك يا سانشو، لقد بت لا تفرق بيننا وبين الدوابّ؟!!.

سانشو: الحمار عند أهل الغابة من كبار الفلاسفة الحيوانيين ، فهو  أكثر أدباً على طاولة الطعام من الدب، وأهم  تفكيراً من الأسد في إدارة شؤون الغابات، وأعظم توازناً من الفيل، وأدهى حنكة من الثعلب في الجنس، مما جعل نفوذه طاغياً ، ويضاهي عند أهل الأنس سارتر وأرسطو وكيركغارد ومشتقاتهم من مختلف الماركات.

دونكيشوت: قصْ لسانكَ يا سانشو، وحذار حذار.

سانشو: وممن تحذرني يا سيدي الدون، من كورونا نيويورك ؟ .

دونكيشوت: بل من فواتير كباب أربيل يا سانشو.