لعبة التفاهة

ثقافة 2020/06/10
...

بغداد/ ابتهال بليبل
 
 
يرد في تعريف " التفاهة " طبيعة الشخص أو حالته من حيث الابتذال أو السخافة أو تواضع المستوى.
وتعد التفاهة كلمة جديدة على القاموس نسبياً، إذ لم تظهر إلاّ حوالي عام ١٨٢٥، وهي تعني النظام الاجتماعي الذي تكون الطبقة المسيطرة فيه هي طبقة من الاشخاص التافهين، أو الذي تتم فيه مكافأة التفاهة والرداءة عوضاً عن الجدية والجودة.
وبحسب كتاب " نظام التفاهة" لأستاذ الفلسفة والعلوم السياسية بجامعة كيبيك الكندية د. آلان دونو وترجمة د. مشعل عبد العزيز الهاجري، فإن التفاهة تُعنى بموجات التسطيح، تشابه الشخصيات، غياب العقل النقدي، دعاوى الخير، الرأسمالية الموحشة، وَهْم الكاريزما، عطب المؤسسات، الفساد، تسليع الحياة العامة، الفن الرخيص، وغيرها من الأمور التي تكون امتداداً لدور تحريك المشاعر عبر التركيز على شيء أقرب لـ "لعبة" يلعبها الأطراف فيها، يعرفها الجميع رغم أن أحداً لا يتكلم، ولكن يمتد فيها الاهتمام من فردي إلى مجتمعي. يلعبون بشكل طوعي، بلا قواعد أو قيم، بالإضافة إلى أن هذه اللعبة تختزل النشاط داخلها إلى مجرد مصالح متعلقة بالربح والخسارة، كالمال أو السمعة والشهرة والعلاقات الاجتماعية.
هذه المصالح بدورها تساعد الناس تدريجياً على فقدان اهتمامهم بالشأن العام، وتقتصر همومهم على فرديّتهم الصغيرة.  ويُناقش د. آلان دونو في كتابه هذا لغة خطاب التفاهة من منطلق قدرات الناس المحدودة وفق النظم الأيديولوجية، وكذلك المنظور "البيداغوجي" الذي يعتمد على الأسلوب القصصي، واللغة الخشبية الجوفاء المحملة بالحقائق والتأكيدات "التوتولوجيّة"، أي النطق الذي يقوم على الحشو أو مجرد التكرار بألفاظ مختلفة، وكأن في الأمر قضية جديدة تدفع بمعرفتنا إلى الأمام، برغم أنها لا تضيف لما هو معروف شيئاَ، بمعنى أنها محض ألفاظ زائدة من دون فائدة.
يولي المؤلف أهمية كبرى لموضوعات الثقافة، ويلفت أنظارنا إلى كونها صارت أداة هامة في توطيد أركان نظام التفاهة كما يحيط بنا اليوم، رغماً عن التسميات المؤثرة والهالات اللامعة التي تحيط بكل ما هو ذو علاقة بالثقافة. وتحدث على مجموعة تنمو ببطء، وهم نوع من الأميين الجدد جزئيا، الذي يمكن رؤية أصحابه يحومون حول أكشاك الكتب والمجلات والصحف بحثاً عنها، إنهم لا يقرؤون الكتب ولكنهم مفتونون بتكاثرها بمواضيع أغلفتها، واعتبرهم أكثر خطورة من الأميين أميّة بحتة، لأنهم يرفضون البقاء في الدرك الأسفل في ظلمات الجهل، ويطمحون للوصول إلى ضوء المعرفة. وطرح د. آلان دونو في كتابه هذا بعض ما يرتبط بأصول نظريته عن التفاهة والادب، فعادة، ما يُصنف الأدب إلى أدب رفيع وأدب شائع، وقد ظهر هذا الأخير في نهاية القرن الماضي، وهو يرتبط بالظهور الاقتصادي للطبقة الوسطى وبزوغها كواقع اجتماعي جديد ومستمر إلى زماننا الحاضر. وفي العالم العربي، كانت بدايات الادب الشائع من خلال الترجمات والمسلسلات والروايات التاريخية (روايات جورجي زيدان مثالا)، وقصص محمود كامل المحامي وعبد الحليم عبد الله ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس، وغيرهم من كتاب مكثرين ذوي انتاج غزير، لأنه يخلو من الصعوبة والتحديات. ولهذا الادب مفاهيم عامة مطلقة، فهو يقصد بالنهاية إلى اشباع مشاعر القراء ومخاطبة وجدانهم، لكل ذلك، فهو يتسم عموماً بالبساطة والمباشرة والنمطية والتكرار.