العلاقات تتوسع

الرياضة 2020/06/10
...

*صفية طالب السهيل
 
استقبلت ايطاليا عددا من الأطفال من المرضى العراقيين، من خلال منظمات إنسانية مختصة ومؤسسات مجتمع مدني طبية وانسانية، وعددا من الحالات الصعبة، وساهمت مساهمة إنسانية كبيرة برفع المأساة عن عدد من أطفال العراق، كما ساهمت ايطاليا بدعم عدد من الفعاليات الديمقراطية، لتمكين المؤسسات الديمقراطية في العراق، من خلال اجتماعات ومنتديات وحوارات بشأن المصالحة الوطنية وحوار الاديان وبناء السلام وتمكين المرأة والشباب، والمسار التشريعي والقانوني لبناء الانظمة الديمقراطية، بما فيها الحوكمة الرشيدة ودولة القانون والمؤسسات والمواطنة.  
 
في المجال الامني، كما هو معروف، لَقدْ استباحَ الإرهابُ بلادَنا، وكَانتْ مَرحلةً داعش مرحلة عصيبةً وخَطيرةً على العراق والمنطقة والعالم، قدم فيها العراق التَضحياتِ الكبيرة التي سَجلها شَعبنا وقُواتنا المُسلحة من الجَيشِ والحَشدِ الشعبيّ والبِيشمرگةِ وغيرها، بُمساعدةِ ومُساندةِ التَحالفِ الدَوليّ والأصدقاءِ، وعلى رأسهم إيطاليا التي وقفت في المقدمة لدعم العراق، في محاربة الإرهاب ضمن التحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش الإرهابي، وهي مساهمة يقدرها العراق عاليا، ويعدها تحالفا استراتيجيا ضد العدو الاخطر للانسانية وقيمنا المشتركة وإرثنا الإنساني والحضاري، إذ تعتبر إيطاليا ثاني أكبر دولة من حيث عدد المدربين العسكريين، وقد ساهمت بدعم القوات الامنية العراقية في مجال التدريب من خلال فرقة عمل قوات كارابينيري )الدرك)، بتدريب الأفراد العسكريين المحليين المكلفين بإدارة المناطق المحررة في مختلف الاختصاصات، فإن أنشطة القوات العسكرية الإيطالية في العراق قد ساهمت في تعزيز أمن المدنيين، وزودت القوات المسلحة العراقية بوسائل لمواجهة أنواع عديدة من التهديدات، كما كان لإيطاليا دور كبير في تقديم برامج تدريبية للقوات العراقية، من خلال حلف الناتو داخل المعسكرات التدريبية العراقية، كما ساعدت الخبرات الايطالية كلية الأركان العسكرية العراقية، والأكاديمية العسكرية في الرستمية، وجامعة الدفاع الوطنية، والقوات الخاصة والبحرية ومكافحة الارهاب والبيشمركة.
كما ساهم العراق مساهمة فعالة في السلم والأمن العالميين، بتعاونه الامني والمعلوماتي، عن طريق مدّ المجتمع الدولي وعدد من الدول الأوروبية، ومنها إيطاليا، بمعلومات استخبارية دقيقة عن تحركات الشبكات الإرهابية الدولية في العالم، وبالجهود الدولية لمكافحة التنظيمات الإرهابية الدولية، وبإيقاف استباقي لعدد من الاستهدافات التخريبية في عواصم عديدة بالعالم، وكانت المعلومات التي توصلت لها الجهات الامنية العراقية عاملا مساعدا لكشف وتفكيك عدة شبكات، مما يسمى بشبكات المقاتلين الأجانب من التنظيم الإرهابي لداعش واخواتها عبر العالم، وآليات تمويلها ، فضلا عن تضحياته بالنيابة عن العالم، بمحاربة التنظيم لدعم أمنه الوطني، والأمن الإقليمي والعالمي .
في المجال الثقافي والآثاري، من المعروف أن عددا من كبار الفنانين العراقيين منذ خمسينيات القرن الماضي، من الذين اكملوا دراستهم في ايطاليا وسكنوها، قد ساهموا مساهمة كبيرة بالتعريف بحضارة بلاد الرافدين، وأثروا الحياة الثقافية الايطالية بمشاركتهم بالمعارض والفعاليات الثقافية في العديد من المدن الايطالية، ومنها المشاركة العراقية في بينالي في مدينة البندقية " فنيسيا " ، وهناك عشرات من كبار الفنانين العراقيين الذين يعيشون في ايطاليا، ولهم مساهمات كبيرة وفاعلة في الحياة الفنية والثقافية الايطالية والعالمية، ومنها التعريف بالمدرسة الفنية العراقية الرائدة والغنية والعريقة، وبالفنون العراقية والتراث وحضارات العراق الشهيرة بمدارسها وتأثيرها الإيجابي في المدارس الفنية الايطالية والعالمية .
لقد حقق التعاون الثنائي المشترك العديد من الإنجازات المهمة للحضارة الانسانية، ومن الضروري الإشارة للمساهمة الايطالية المقدرة في الملف الثقافي العراقي، ومنها حماية المواقع والقطع الأثرية، ومعالجة تبعات الاعمال الوحشية التي نفذتها الاستراتيجية الهمجية والشيطانية الممنهجة لتنظيم داعش الإرهابي، لاستهداف الإرث الإنساني العالمي من آثارنا ومزاراتنا ودور عبادتنا من مختلف الأديان وتفكيك الثقافة، وقد استثمر العراق التعاون المحمود من الحكومة الايطالية لحماية تراثه التاريخي والأثري، والاستفادة من تعاون الخبراء العراقيين والإيطاليين لترميم وصيانة المتحف الوطني العراقي الذي نهب عام 2003 ، كما ساهمت ايطاليا في تمويل وإدارة برنامج مشترك للعراق مع اليونسكو، في مسح المواقع الأثرية التي سيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي، من خلال صور عبر الأقمار الصناعية، وتدريب الخبراء الإيطاليين لفرق تابعة للقوات المسلحة العراقية للتخصص في مجال أمن التراث الأثري، كما دعمت إيطاليا العراق بإرسال العديد من البعثات الأثرية الإيطالية بقيادة أساتذة أكاديميين مختصين، لنقل خبراتهم إلى الأكاديميين والفرق العراقية، ومنها الخبرة والمعرفة في إدارة المقتنيات الأثرية والمحافظة عليها، وتدريب الكوادر العراقية على التقنيات الرئيسية الحديثة، لاستعادة وترميم الأماكن الأثرية، واستمرار التعاون في البحث والكشف عن مواقع اثرية جديدة، والتدريب على كيفية إدارة المواقع 
وتطويرها .
في مجال التعاون الأكاديمي: من ثمار هذا التعاون الوثيق في المجال الاكاديمي والثقافي والآثاري في آن واحد، توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الآثار والسياحة العراقية، ومركز الابحاث والتنقيبات الآثارية في جامعة تورين (CRAST) عام 2014 التي أدت عام 2016 الى افتتاح المركز الايطالي –العراقي الدائم للعلوم الآثارية والترميم في بغداد / القشلة، وإعادة ترميم المدرسة المستنصرية في بغداد، كما تبنت إيطاليا عدة مشاريع للتبادل والتعاون الجامعي، من بين أبرزها مشروع أنسباير    Inspire )  ) عام2019 ، بمبادرة من جامعة سيينا و10  من الجامعات العراقية، منها جامعات بغداد والموصل والبصرة وواسط وغيرها. 
تميزت جامعة بولونيا ايضاً بتنفيذ مشروعي ولدوWaladu)) وايدو (Eduu) خلال السنوات  2019 - 2016لغرض تعزيز تدريس العلوم الآثارية في الجامعات العراقية، وتوعية المجتمع العراقي بأهمية الحفاظ على الارث الحضاري والتاريخي والآثاري العراقي،  كما قدمت جامعة لا سابيينزا في روما خبراتها ودعمها لتقييم أضرار المتحف الوطني، وساهمت مساهمة مقدرة بإرسال فرق التنقيب الآثاري وبعثات آثارية لعدة مواقع عراقية، ومنها مشروع احياء قلعة أربيل وإعادة تأهيل متاحف أربيل والسليمانية، والتنقيبات في مدينة أور وتل المقير وأبو طبيرة في محافظة الناصرية، وكذلك جامعة (اودينه)  التي ساهمت في اكتشاف مئات المواقع الآثارية الاشورية في منطقة كردستان العراق، وفي تحديد موقع معركة غوغاميلا (Gaugamela) التاريخية، حيث انتصر الاسكندر الاكبر على الفرس عام 331 ق.م.. 
كما شاركت جامعة بيروجا ايضا بإرسال بعثة اثرية مختصة لموقع تل زرعل، وبحملة تنقيبات آثارية في موقع مدينة نيكين السومرية القديمة، وأخيرا وليس آخرا مساعدة ايطاليا المحورية في الدعم الدولي لادراج الأهوار العراقية وموقع مدينة اريدو السومرية في قائمة التراث العالمي لليونسكو. العلاقات تتوسع وآفاقها كبيرة جدا، لاسيما ان العِراق مُقبلٌ على تَطورات ايجابية مهمة، أَمنياً وسياسياً واقتصادياً، فهُناك مَنحَى إِيجابيّ من التحولات ، وهو اِتجاهٌ يبعثُ على الأملِ بمستقبل واعد، مما يجعل من أهمية تقييم هذهِ التطورات الإيجابيةِ ضرورة، لنُؤسسَ عَلَيها شراكات اوسع في ظل الأجواء الايجابية التي اطلقتها الحكومة الجديدة في بغداد برئاسة رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي، بالانفتاح نحو شراكات تسرع من التحول الاقتصاديّ، ورؤية العراق بتوفر نقاط مشتركة يمكنه الاتفاق عليها مع المجتمع الدولي، من منطلق الدور والوضع المحوريين للعراقِ في المِنطقة، وما لديه من الاعتبارات الجُيوسياسيةِ والاقتصاديةِ والثَقافيةِ والدينيةِ، التي تسمح له بأنَّ يكونَ عاملا مساعداً وأساسياً من أجل تحقيقِ السلام والتفاهمِ بين الدول، وأن يكون طرفاً فاعلا في أيّ مسعى للبناء والتقدم والتطوير.
 
* سفير جمهورية العراق / روما