ترقب سياسي للحوار العراقي الأميركي

العراق 2020/06/10
...

بغداد / الصباح / عمر عبد اللطيف
 
تترقبُ الأوساط السياسية بحرص ومتابعة دقيقة ما سيفضي إليه الحوار الستراتيجي المرتقب غداً بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأميركية، والذي يشارك فيه كبار الخبراء والمسؤولين من البلدين، ويتناول مستقبل العلاقات بين بغداد وواشنطن بكل تفاصيلها السياسية والأمنية والاقتصادية، وبينما تصاعدت الأصوات المطالبة بإدراج قرار مجلس النواب القاضي بإخراج القوات الأميركية من البلاد ضمن هذا الحوار، كشفت لجنة العلاقات الخارجية النيابية عن تشكيل سكرتارية دائمة بوزارة الخارجية لمتابعة الاتفاق الستراتيجي بين البلدين والموقع عام 2008.
وقال عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب عامر الفايز: إن “وزارات الدفاع، والداخلية، والنفط، والمالية، والخارجية، ستشارك في الحوار الستراتيجي مع واشنطن، من خلال ممثل واحد عن كل وزارة عبر تقنية فيديو كونفرانس”.
وأضاف الفايز أن “هناك لجاناً أميركية وعراقية فرعية عملت على إعداد الملفات التي ستطرح في الاجتماع المرتقب بين الوفدين الذي سيكون حاسماً وليوم واحد”، مؤكدا أن “هذا الاجتماع سيبت في مصير القوات الأميركية المتواجدة على الأراضي العراقية”.
وتابع النائب إن لجنته “استضافت قبل ثلاثة أيام عضو الوفد التفاوضي العراقي مع الجانب الأميركي”.
ومن المقرر أن يبدأ الحوار الستراتيجي بين بغداد وواشنطن يوم غد الخميس، لبحث مصير الوجود العسكري والتعاون الاقتصادي والسياسي.
 
العلاقات الخارجية
وكشفت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب عن ان وزارة الخارجية بصدد تشكيل سكرتارية دائمة لمتابعة الاتفاقية الستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة الاميركية.
وقال عضو اللجنة مثنى أمين لـ «الصباح»: إن «اللجنة استضافت هذا الاسبوع وكيل وزارة الخارجية للاستماع الى شرح مفصل حول اتفاقية الاطار الستراتيجي التي دخلت حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني 2009، بعد تبادل المذكرات الدبلوماسية المؤيدة لاكتمال الإجراءات اللازمة من الطرفين لتنفيذ هذه الاتفاقية بموجب الإجراءات الدستورية ذات الصلة النافذة في كل من العراق والولايات المتحدة، لتنظيم العلاقة في مختلف المجالات منها التعاون السياسي والدبلوماسي والدفاعي والامني والثقافي والاقتصادي والطاقة والصحي والبيئي والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وانفاذ القانون والقضاء”، مبيناً “عزم الوزارة تشكيل سكرتارية دائمة لمتابعة الاتفاقية بحيث يستفيد العراق من ما جاء فيها”.
وأضاف أمين، إن “العراق وطوال الفترة السابقة لم يستفد من الفرص التي جاءت في هذه الاتفاقية رغم تضرره كثيرا من الوجود العسكري الاميركي من 2004 لحين انسحاب القوات منه”، مؤكداً ان “نجاح الحوار بين البلدين والاستفادة من هذه الاتفاقية يتعلق بمدى قدرتنا على المتابعة واستحصال حقوقنا وامتيازات هذه الاتفاقية”.
 
خبراء ومختصون
من جانبه، رأى رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري، ان «الحوار العراقي الاميركي يعكس الرغبة المتبادلة بوضع العلاقة بين الدولتين على أسس صحيحة أساسها اتفاقية الاطار الستراتيجي».
وأضاف الشمري لـ «الصباح»، إن «الولايات المتحدة ماضية باتجاه رسم جديد لعلاقاتها مع العراق،لا سيما ان العلاقة أصابها نوع من الفتور على مستوى الحكومة السابقة، وايضا فإن بغداد بحاجة إلى الى مساحة التوازن في علاقاتها الخارجية، إذ أن الاخيرة تجد في هذا الحوار مساحة لتثبيت صورة العراق بأنه يعتمد السياسة الخارجية المتوازنة على اساس المصالح المشتركة».
وبين أن «هناك توجها سابقا من قبل واشنطن لإدامة هذا الحوار وإعادة تفعيله على المستوى الاقتصادي والسياسي والعملي، إلا ان اهمها يكمن في استمرار التنسيق والتعاون في ما يرتبط بالحرب على الارهاب ومصير القوات الاميركية وضمان عدم استهداف المصالح الاميركية في الداخل العراقي».
وألمح الشمري الى أن «تشكيل سكرتارية دائمة لمتابعة الاتفاقية الستراتيجية؛ دليل على أن الحكومة العراقية تولي الموضوع درجة عالية من الاهمية ليكون الحوار بين البلدين منطلقا لترتيب علاقات العراق الخارجية مع جميع الدول».
أما الكاتب والمحلل السياسي محمد الفيصل، فقد توقع أن يأخذ الحوار العراقي ـ الاميركي زمناً أكثر مما هو متوقع لضرورة وضع ستراتيجية جديدة للعلاقة بين الدولتين.
وأضاف الفيصل في تصريح خص به «الصباح»، إنّ «قرار البرلمان القاضي بشأن الإنسحاب الأميركي، هو العنوان الأبرز الذي سيطغى على جدول تلكم المباحثات، وهذا يعني إعادة دراسة وتعديل لبنود الاتفاقية الستراتيجية بين واشنطن وبغداد، خصوصاً بعد أن قال الأميركان أنّهم مستعدون  للبحث في مجمل العلاقة مع العراق»، مشيراً الى أن «جولات الحوار لا تنحصر بجدولة الإنسحاب فقط من دون المرور بمختلف القضايا التي تهم الطرفين، ومن هنا تأتي أهمية اختيار الشخصيات العراقية المفاوضة وكذلك الملفات الكبيرة والمعقدة التي  سيتم طرحها على طاولة 
التفاوض».
وبين أنّ «المشهد السياسي الداخلي الشائك ومزاجية وشك بعض الاطراف حول ما سيدور من مباحثات قد يجعل الحكومة العراقية الجديدة في وضع حرج خلال جولات التفاوض»، داعياً فريق العمل التفاوضي الى أن «يضع مصلحة العراق فوق كل المصالح الآخرى، وهم الأكفأ والأقدر على تحقيق ذلك».
 
الضمانات والاتفاقات
وطرح رئيس الجمعية العراقية للعلوم السياسية الدكتور أسامة السعيدي، تساؤلات عديدة حول أهلية التعاقد مع الدولة وثقة الطرف الآخر بالوفد المفاوض والتي تعد مسألة حساسة وجوهرية واساسا للارتكاز، اذ يجب ان تكون الدولة غير خاضعة لضغوط او جهة معينة وتمتاز بالاستقلالية وأن يكون قرارها ملزما وباتا على جميع مساحتها الجغرافية ومؤسساتها»، وتساءل: «ما هي الضمانات التي اخذت من جميع الاطراف بأن القرارات في حال صدورها بعد الحوار لا يعترض عليها مكون او طائفة او قومية معينة؟».
وأضاف السعيدي، أن « هل سيمتلك الوفد المفاوض الشجاعة الكافية لاجراء كشف حساب مع الجانب الاميركي من بداية العلاقة في عام 2003 وصولا الى هذه المرحلة بعد ان مرت بمحطات عديدة!!”.، مبيناً ان “شخوص الوفد يجب أن لا يكونوا حاملين لجنسية اخرى، وأن يكونوا مقيمين داخل اراضي الدولة التي يفاوضون من طرفها وفق الضوابط القانونية والدستورية المعمول بها في جميع دول العالم، ليكون مستوى الدفاع والخطاب متفقا مع احتياجات البلد وظروفه وتطلعاته وما يعانيه من صعوبات، في حين أن الوفد يخلو من أي شخصية شابة اكاديمية من وزارة الخارجية تدرجت في العمل الدبلوماسي”، متوقعاً أن “الوفد المفاوض فيه مسحة سياسية أكثر مما هي فنية أو تفاوضية 
مفترضة”.
السعيدي، نبّه الى ان “العراق يجب أن يكون حريصا على نفسه وأن يعرف مع من يتعامل وكيف، وما هي بوصلتنا الوطنية والاهم أن نقف على ارضية صلبة وأن يكون قرارنا واحدا موحدا مهما اختلفنا في الانتماء والطائفة والقومية، كما يجب أن يكون القرار سياديا اتحاديا ملزما للجميع؛ والا سنفقد هيبتنا ومكانتنا وهذا ما حصل في الكثير من القرارات والاجراءات”.
أما المحلل السياسي زياد العرار، فقد بين ان “أمام العراق فرصة استغلال المفاوضات المقبلة مع الولايات المتحدة الاميركية لاقامة علاقات متوازنة معها في جميع المجالات، وعلى المفاوض العراقي مراعاة مصلحة البلد وفق الواقع الحالي وبنظرة مستقبلية بعيدا عن الخيال والتاريخ”. وأضاف العرار لـ “الصباح”، إن “على العراق تصحيح الاخطاء التي حصلت بالاتفاقيات السابقة مع واشنطن والتي اعطت حرية كبيرة للقرار الاميركي بالتدخل في الشؤون العراقية  لاسيما ما يتعلق بالجانب العسكري”، متمنياً أن “يدخل فريق التفاوض العراقي للحوار من دون ضغوط سياسية داخلية”. وأكد العرار، ان “صانع القرار السياسي والقوى السياسية يجب أن تعلم ان الشعب يراقب ويرتقب ما ستفضي اليه نتائج الحوارات ويأمل أن تنعكس المقررات على واقع الحياة العامة في البلد، لا سيما ان واشنطن تمتلك قدرات عالمية كبيرة لمعالجة الاخفاقات الاقتصادية، وبين كل هذه الأوضاع والمعطيات يجب أن لا يقدم العراق أي تنازلات على حساب وحدته وسيادته وأن لا يكون مع طرف ضد آخر، لأن هذا سينعكس عليه سلباً في المستقبل القريب”. عضو لجنة الامن والدفاع النيابية، بدر صائغ، أكد في حديث صحفي: ان “اللجنة التفاوضية مع الجانب الاميركي ستشكل من الشيعة والسنة والاكراد اضافة الى ذوي الاختصاص من اجل اجراء الاجتماعات الاولية مع واشنطن”. وبين ان “الحكومة يجب أن تسير وفق قرار البرلمان القاضي بإخراج القوات الأميركية، كما أن اللجنة التفاوضية يجب أن توضح للبرلمان الآليات والمحاور التي ستناقشها مع الجانب الاميركي من أجل أن يكون مجلس النواب على علم ودراية بما سيحصل خلال المفاوضات، خاصة انه اتخذ قراره باخلاء العراق من أي قوات أجنبية”.
 
آراء نيابية
بدوره، قال عضو تحالف سائرون النائب رياض المسعودي: إن «سائرون لن تتدخل بشكل مباشر في المفاوضات التي ستجري مع الجانب الأميركي لكونها شأنا 
حكوميا». 
وأضاف، أن «تحالف سائرون كقوة سياسية أساسية في العملية السياسية له الحق في طرح وجهة نظره للمفاوض الحكومي العراقي بشأن طبيعة العلاقات المستقبلية مع الولايات المتحدة الاميركية». وأوضح ان «سائرون طالب المفاوض العراقي بان يكون حريصا على مصلحة البلاد وأن يسعى لضمان العراق ويؤكد للجانب الأميركي أننا لسنا بحاجة الى تواجد قواته أو أي قوة اجنبية على الأراضي العراقية، لكون ذلك يعد احتلالا صارخا ولا يحقق سيادة العراق على ارضه وسمائه ومياهه»، مبينا أن «من أولويات مطالبنا للوفد العراقي المفاوض خروج القوات الاميركية كافة وبأي عنوان». 
النائب عن كتلة صادقون النيابية نعيم العبودي، أكد من جانبه أن «من أهم أولويات الحوار العراقي الأميركي هو الحفاظ على سيادة العراق»، مبينا أنه «يجب ان يكون في ذهن المفاوض العراقي انه يجب أن لا يتواجد اي جندي مقاتل اجنبي في القواعد 
العراقية».
وأضاف، أن «الشعب العراقي عبر عن رفض الوجود الاجنبي من خلال تظاهرات سابقة وكانت صوتها عاليا»، مشيرا  الى ان «موقف البرلمان واضح ومصلحة العراق يجب أن تكون حاضرة في الحوار والتفاوض الاميركي العراقي، وعدم السماح بأي نقطة تحسب ضد المصلحة الوطنية». 
بدوره، قال النائب عن تحالف الفتح محمد البلداوي: انه «رغم اعلامنا على الأقل كأعضاء مجلس النواب رسميا بأسماء المفاوضين العراقيين مع الجانب الأميركي على المستويات كافة الأمنية والسياسية والاقتصادية، الا اننا نطالب الكاظمي بأن يختار مفاوضا شجاعا وقادرا على انتزاع حقوقنا 
الوطنية».
وأضاف إن «على المفاوض العراقي أن يكون ملما بكل الأخطاء التي ارتكبها الاميركان خلال تواجدهم على الاراضي العراقية منذ تغيير النظام السابق الى اليوم من خلال تقديمه للوثائق والمستندات التي تثبت ذلك والتي خالفت ما ادعى به الاميركان خاصة في مجال التدخل في القرارات السياسية والاقتصادية 
وغيرها».  وطالب البلداوي المفاوض العراقي بأن «ينتزع بكل شجاعة سيادة العراق والخروج من سياسة التابع والمتبوع والنفاذ من الجلباب الأميركي»، على حد 
تعبيره.