سام جورديسون ترجمة: شيماء ميران
برغم قوة رواية (الطاعون العظيم)، إلا انها لم تكن مستقاة من مصدرها، وهناك الكثير لنتعرف عليه من الشهود الحقيقيين. ولو كنت ترغب بسماع المزيد من الاشخاص الذين شهدوا الاحداث في عامي 1665 و1666 وقرأت (مجلة عام الطاعون) للكاتب دانيال ديفو فأنت محظوظ، لأن هناك قصصا حقيقية عديدة من ذلك الزمن العجيب.
بعض هذه القصص محيرة وغريبة لو قُرئت اليوم، مثل كتاب (صوت إله فينسينت الرهيب في المدينة) للمؤلف توماس فينسينت، ولا ننكر قوة عنوانه. انغمس فينسينت بعمق في اهوال الطاعون بعد ان فقد سبعة من أفراد عائلته بسببه، ما يجعله غريبا، إذ لا يبدو انه يكترث للمرض، كما انه كان وزيرا معارضا وكثير الاهتمام في الاستشهاد بالكتاب المقدس في الفترة التي سبقت ما حدث على الارض، وربط احداث عامي 1665 و1666 بالخطيئة في لندن "السكارى والقتلة"، لكن الكتاب لفت النظر كثيرا لتلك الهفوات والتطابق المفيد لديفو، إذ يصف الاخير الكثير مما يمكن ان نميزه اليوم، أما فينسينت فيذكرنا ان الماضي غريب ايضا.
هناك انبهار مشابهة لـكتاب (Loimologia) للمؤلف الطبيب الانكليزي ناثانيال هودجز، نُشر لاول مرة باللغة اللاتينية عام 1672 ، ثم تُرجم عام 1720، وفيه يكشف هودجز بواسطة أوصاف تدور حول كيف نشرت تنبؤات المنجمين الخوف بين الناس، فجعلت بنيتهم اقل مقاومة للعدوى.
استعارات ديفو
وهناك مواد واقعية اخرى، كالرواية المهمة والرائعة التي قدمها هودجز عن رؤية اللون الاسود، احد اعراض الطاعون الدبلي، على شخص يعاني من الحمى، وصلبان ابواب الناس وإغلاق المنازل، ما جعل ديفو يستعير بحرية من بعض هذه المقاطع، إضافة الى التفاصيل التي قدمها هودجز حول مكان وزمان انتشار الطاعون، والتدابير الصحية العامة المتخذة لحماية "السكان المرتعدين" من البلاء، والمشعوذين الذين حاولوا الاستفادة منه. وكتب على سبيل المثال: "انه واضح كوضوح الشمس في النهار، فالوباء مرض قادم من محيط مسموم وغامض جدا، مميت ومعدٍ، يصيب الكثير من الاشخاص في ذات الوقت في مكان واحد معا، يأتي بشكل رئيسي من تعفن النترات في الهواء، وتصاحبه حمى واعراض مؤلمة".
وافضل قياس لمدى خطورة زيارة لندن اثناء الوباء الرهيب، هو كتاب (قوائم الوفيات) وجميع المدافن في المدينة التي جمعتها إلين كوتس عام 1665، فهو تعريف للقراءة المطلقة، برغم انه يهم المؤرخين أو أي شخص ينتابه الفضول؛ من أين جاء ديفو بشخصياته؟.
والمقنع اكثر أن كتاب مذكرات سامويل بيبيس لم يتمكن ديفو نفسه من رؤيته ابدا، هذه الكارثة التي حدثت بدءا من 30 نيسان عام 1665، إذ تنتهي المذكرات الطويلة التي دخلت في مواضيع اخرى بالكلمات: "الخوف الكبير من المرض هنا في المدينة، فقد قيل إن بيتين أو ثلاثة اغلقت بالفعل. احمنا جميعا يا رب".
إلا أن الرب لم يحمهم، برغم انه استغرق وقتا قصيرا قبل أن يبدأ بيبيس بالقلق حقا، وفي 28 ايار عرض باختصار موضوع "المرض"، لمجرد الفصل، لأنه كان مهتما اكثر بشيء رآه ذلك اليوم: "تحفة رائعة: من اسماك محفوظة في قدح ماء سنحبها للابد، وفي النهاية سيتم تمييزهم بكونهم غرباء".
ملاحظات بيبيس
وبعد اسبوع، كتب بيبيس: "هذا اليوم، وضد إرادتي، رأيت في شارع دروري ابواب منزلين أو ثلاثة مختومة باللون الاحمر، وقد كتب عليها: ارحمنا يا رب، وكان مشهدا محزنا بالنسبة لي، لأني اراه لأول مرة على الاطلاق وسيُحفظ في ذاكرتي" .ومنذ ذلك الوقت، اصبحت كتب المراجع عن الطاعون سميكة وعميقة، ثم سرعان ما كتب وصيته، وفي العاشر من آب عام 1665، مع دخول الصقيع، يجد بيبيس نفسه يتناول العشاء مع ألدرمان بنس "الذي كانت زوجته مريضة حينها، ما اقلقني طوال الوقت وانا هناك". وبعد ايام فقط توفي طبيبه، وكان رجلا فقيرا وتعيسا. وبحلول تشرين الاول لاحظ بيبيس وهو على الطريق السريع: " حاملي جثث مرضى الطاعون، لكن يا رب، لنرَ ما هي العادة، لقد وصلت للحد الذي بدأت فيه تقريبا بالتفكير في شيء من هذا القبيل".
تعد المذكرات كنزا دفينا من المشاهد والمعلومات، وتدوينا رائعا ومذهلا للاهوال التي مر بها. حتى انه غالبا ما يهتم بكتابة الملاحظات حول علاقاته خارج إطار الزواج والشخصيات المحيطة به، وتبوله الليلي وحول الكارثة المستمرة. وحتى عندما كان الطاعون في ذروته، اعطى بيبيس مساحة اكبر للملاحظات حول مكان تناوله العشاء، والاموال التي يستثمرها في طنجة وبقية حياته اليومية، وهو جزء من جاذبية مذكراته. وكما هو حالنا اليوم، كان على بيبيس أن يجد طريقة لاستمرار الحياة مع كثرة الموت من حوله. واصبحت روايته مهمة لقلة ما ذكره عن الطاعون، وتدرج ملاحظاته حتى تشرين الثاني عام 1666، فكتب حينها انه في طريقه الى المسرح لمشاهدة "اول مسرحية منذ الفترة التي سبقت الطاعون العظيم"، وادركنا أن كل شيء آمن في الماضي، يكفي أن يجعلك متفائلا.
عن صحيفة الغارديان