ملاحظات حول العجز وإصلاحاته

اقتصادية 2020/06/12
...

 د. باسم الإبراهيمي
 
شهدت الأيام الماضية جدلاً واسعاً بشأن الأزمة الماليَّة التي تمر بها البلاد والتي ربما تكون الأصعب منذ عقدين من الزمن وقد أشعل الجدل ورقة انتشرت في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تضمنت عدداً من المقترحات كان من أبرزها مقترحات تمس الرواتب من خلال تقليلها بنسبة معينة عبر فرض ضرائب جديدة، وفي الوقت الذي نتفق جميعاً أننا نمر بأزمة ماليَّة حقيقيَّة سيكون أفضل حلولها مراً، إلا أننا نسجل مجموعة من الملاحظات حول الأزمة 
الماليَّة وإدارتها.
الملاحظة الأولى المهمَّة جداً تتمثل في ضبابيَّة البيانات والمعلومات بحيث يصعب علينا التثبت من حجم الأزمة لأنَّ كل مسؤول يطالعنا برقم مختلف للعجز والإيرادات والنفقات وحتى عدد الموظفين وهذا يشكل علامة استفهام كبيرة بشأن شفافيَّة المعلومات 
الماليَّة. 
الملاحظة الثانية تتمثل في الرؤية المطروحة للحل والتي يتضح أنها رؤية محاسبيَّة وليست اقتصاديَّة، فالكل يتحدث عن مقترحات تهدف الى مطابقة الإيرادات مع النفقات من دون الذهاب الى الأثر المحتمل من طبيعة الإيرادات المقترحة أو الأثر الذي ستخلقه النفقات المقترحة، وعلى سبيل المثال فإنَّ الحديث عن تخفيض الرواتب لا يأخذ بنظر الاعتبار أثره في الطلب الكلي، لا سيما أننا نمر بمرحلة من الانكماش يمكن أنْ تستمر لأكثر من عام وبالتالي فإنَّ المفاضلة يجب أنْ تكون لصالح حلول أخرى تعطي النتيجة نفسها من حيث الأثر في الموازنة مع إمكانيَّة تحفيز 
الطلب الكلي.
النتيجة إنَّ لدينا عجزاً في الموازنة مع انكماش اقتصادي وهذا يستدعي تمويلا يعزز النمو خلال المرحلة الأولى من قبيل الدين الداخلي من دون الخوف من مشكلة استدامة الدين، لأنها ليست الأهم في الظرف الحالي وإنما الأهم الاستقرار الاقتصادي، ومن ثم في مرحلة أخرى يجب اعتماد حلول تعزز التمويل والإصلاح الاقتصادي معاً مثل إعادة هيكلة الإنفاق الجاري أو خصخصة المشاريع الخاسرة التي تقبع في غرفة الإنعاش منذ سبعة عشر عاماً ولم تتم معالجتها بأي شكلٍ من الأشكال، وفي مرحلة لاحقة يمكن الذهاب الى إجراءات إصلاحيَّة أعمق من قبيل محاربة الفساد في المنافذ الحدوديَّة وجباية الضرائب، وهذه الإصلاحات كلها يجب أنْ تكون مدروسة بعناية وتعلن بثقة للجمهور لا أنْ يتم تداولها بشكلٍ يزيد الوضع ضبابيَّة.