الدراما التلفازيَّة في زمن الكورونا

ثقافة 2020/06/12
...

د. عواطف نعيم
 
ما زلنا نتحدث عن الدراما العراقيَّة التي باتت شحيحة في إنتاجها وحضورها من على شاشات الفضائيات العراقية الكثيرة وغير الفاعلة في أغلبها، لأنها جاءت لاسباب لا علاقة لها بالثقافة والفنون في الاصل، لذا فهي في غنى وابتعاد عن الدراما والمشتغلين فيها،إلا إذا دعت الحاجة لوجودهم في برامجها الانتخابية والدعائية، وكما هو عليه الحال في كل موسم رمضاني تعمل بعض القنوات على تقديم برامج ومسلسلات درامية، وهي تقوم بتهيئة هذه الأعمال في أوقات حرجة وبعجالة، ما لا يتيح لها الوقت للتأمل والانتقاء وحسن الادارة والمتابعة،وتكون النتيجة أعمالا(مسلوقة) فاقدة للطعم والتأثير والرؤية الفنية الناضجة.
طلت علينا أعمال من قناة (الأم بي سي عراق)، وبدت تلك الاعمال وكأنَّ ليس ثمة من رقابة فنية أو قراءة دقيقة متأنية لفحوى ومضامين ما يقدم، وقد يكون السبب هو الرغبة الملحة في مسابقة الزمن الشحيح المعطى للقائمين على تلك الاعمال والمنتجين لها،لأجل انجازها وتقديمها في موسم رمضان، ونحن حين نؤكد على ضرورة وجود عين محايدة متابعة لأي منتج درامي، فذلك نابع من حرصنا على الترويج الحقيقي للدراما العراقية وحفظها وتصديها كإرث ثقافي وفني حضاري أمام منافسة شديدة من قبل الدراما العربية،التي تميزت بحضورها خلال هذا الموسم الرمضاني2020، وللتأكيد على أهمية كسب المتلقي العراقي والعربي، ودعما لديمومة العمل الدرامي العراقي الذي بات شحيحا في حضوره وتأثيره، فهل نتركه فقيرا ومسطحا في ظهوره؟.
 (غايب في بلاد العجايب) مسلسل عراقي قدم من قناة( الام بي سي عراق )، التي استبشرنا خيرا عند انطلاقها في كونها ستغير واقع الحال، وتعمل على إحداث نهضة درامية ملفتة، وتنفتح على كل الفنانين العراقيين بروح المساواة والكفاءة، ولكن!!. رصد لهذا المسلسل مجموعة من ممثلي الدراما العراقيين المتميزين، وكان كتابه مختلفين، وكان يفترض به أن يكون مسلسلا دراميا نقديا بأسلوب ساخر، وأن تزجّ به بعض الانتقادات العابرة ضد الفساد والمفسدين، وتعبيرا عن حالة من التوجه الوطني، لم تنقذه من الوقوع في العادي والمألوف.
 جاءت الافكار والرؤى في هذا العمل مسطحة ومكررة، وسقط العمل في التوقع وغاب عنه عنصرا التشويق والمفاجأة، وزاده الاخراج التقليدي والمنفذ دونما جدّة أو حداثة غيابا وبعدا عن التواصل الحقيقي مع المتلقين، من خلال محدودية المكان وتقزيم الفضاء وتضييق زوايا الرؤية، فأصبح وجوده رقما لموسم رمضاني لم يترك أثرا ولم يضف جديدا، وكأن الاستسهال كان طبيعيا ومفروضا فيه من دون دراسة وخبرة وتخطيط، علما أن العمل من إخراج الفنان أسامة الشرقي، والاشراف العام لأوس الشرقي، وكلاهما عرفا بتقديم أعمال جيدة من خلال قناة الشرقية!! ومن غايب الى بنج ومواسم ولاية بطيخ، برنامج(بنج) الذي قدم من قناة( يوتيفي) الجديدة، و(ولاية بطيخ)، القاسم المشترك بينهما هو فريق العمل ذاته،الذين يعملون بقيادة وادارة الفنان(علي فاضل ) بوصفه المخرج والممثل وقائد الفريق، هي مجموعة طيبة من الشباب العراقي، استطاعت من خلال أعمال نقدية ساخرة وجريئة أن تكتسب حضورا لدى جمهور المتلقين، وأن تقدم وبنجاح عددا من المواسم الدرامية الملفتة، لاسيما أن الفنانين العاملين من خلالها ومعهم علي فاضل، كانوا يعملون بروح الفريق المفكر والمتعاون، وكانت الشخصيات والكاركترات المقدمة مفروزة ومعبرة كل على حدة، اضافة الى وجود شابات جريئات معهم تميزن بحضور لطيف ومحبب. في هذا الموسم الرمضاني اختار هذا الفريق أن يقدم برنامجا بطريقة جديدة توغل أكثر في فضح المسكوت عنه اجتماعيا وسياسيا، فكان أن استعانوا بالكاتب البصري الجميل( أحمد وحيد ) الذي كان هو الآخر مشغولا بتقديم ظهور منفرد أخير له من على قناة السومرية، وكانت الافكار التي زودهم بها الكاتب مختلفة، تجمع التراجيدي النقدي مع الكوميدي، وتتفاوت في المستوى الانتقائي لمواضيع بعضها يمس واقع الناس، وبعضها سقط في الافتعال والمبالغة والميلودراما! ولأن التكرار ممل واعتقاد التمكن والخبرة متسرع، ولأن الثقة المطلقة فخ، تعرض الفريق في موسمه الجديد الى هزة تحتاج الى التوقف واعادة النظر والتقييم الحقيقي لما تم تقديمه للحفاظ على المجموعة ونجاحها، لأن تكرار الوجوه في كلا العملين وبذات الكاركترات التي عرفوا بها، ونقل ما يدور في الشارع الى شاشات التلفاز من دون تأمل وتروٍّ، أربك المتلقي وخلق حاجزا بينه وبين الفريق الذي بات يتنقل بين الفضائيات بحسب قيمة المردود المادي، وليس قيمة المردود الفني. مهمة الفن ليست نقل الواقع المعاش، بل تقديم الواقع بالصورة التي ينبغي لها أن تكون فنيا!! العبارات الفجة والاساليب المرتجلة المبتذلة ومحاولة التقليل من قيمة الآخر حتى على سبيل المزاح،ليست من الفن الراقي والهادف، مهمة الفنان الواعي حين ينتقد ويسلط الضوء على السلبيات، أن يقدم ذلك بأسلوب مقنع دونما أسفاف أو اغراق في السماجات، فريق عمل ولاية بطيخ الذي كان له حضوره من خلال النقد الواعي والطرح المسؤول في المواسم السابقة، عليه أن يعيد النظر فيما يقدم، وأن لا تغريه الفضائيات التي تدفع بسخاء مقابل أن تستقطب الفريق الناجح، ولا تتابع ما يقدم أو تتفحصه قبل أن يكون أمام أنظار المتلقين، ولا يهمها أن يخسر الفريق موقعه في ضمائر الناس بقدر ما يهمها أن تعلن عن وجودها من خلاله، ولا مانع لديها من أن تستبدله بآخر ما دامت تمتلك المال وتستطيع الشراء!! ومن فريق عمل ولاية بطيخ نود الوقوف أمام عملين عراقيين قدما من قناة فضائية واحدة؛ الاول يتحدث بزمن الحاضر، والثاني ينطلق من الماضي، الاول يمثل العراق المعاصر، والثاني يمثل العراق عبر ماضيه، فينطلق من الجنوب وتأريخ أهله المليء بالمحن، الاول يحمل اسم الكاتب العراقي باسل الشبيب، وتحت عنوان(واحد زائد واحد )، لمخرجه جمال عبد جاسم، والآخر يحمل اسم الكاتب شوقي كريم، وتحت عنوان(أحلام السنين)، لمخرجه علي أبو سيف، وقد قامت بإنتاج المسلسلين قناة(الام بي سي عراق)، ومعهما ستكون لنا عتبة رابعة.