أيّ قطاع خاص نريد ؟!

اقتصادية 2020/06/13
...

ياسر المتولي
 
كثر الحديث عن الدور الابرز للقطاع الخاص في تحقيق اهداف وبرامج التنمية، والكل يقر بهذا الدور، سواء الجهاز التشريعي او الجهاز التنفيذي، ومعهم الخبراء والاكاديميون، ولكن من دون جدوى!.
عشرات المقالات كتبناها منذ بدء مرحلة التغيير في العام 2003 والى يومنا هذا، في الشأن المتعلق بدور مهم للقطاع الخاص في التنمية، وما زلنا لم نلمس اثراً لهذا الدور، فما السبب؟.
المعنى الحقيقي للقطاع الخاص المعني بالتنمية غير واضح للكثيرين، واستطيع الجزم أنه غير متوفر، والسبب هو النظرة الشمولية للقطاع الخاص التي تعني أن أي شخص خارج الوظائف العامة (الحكومية) يندرج توصيفه تحت عنوان قطاع خاص، وهو كذلك، ولكن.. لا بدَّ من تفكيك هذا الخلط بالمفهوم، كي نتمكن من تحديد المعنيين منهم بتحريك عجلة التنمية، أي اصحاب الثروة والمال والخبرة الفعلية، وأدوات التنمية منهم، وهم ضمن مفهوم القطاع الخاص، ويعدون اساس التنمية، لكونهم يشكلون النسبة الاكبر من الموارد البشرية ممن لا تتوفر لهم فرص عمل في القطاع الحكومي طبعاً.
لذلك لا بدَّ من التركيز على القطاع الخاص بالمعنى الدقيق؛ أي المالك للمال والثروة، وهنا يتوزعون بين قلة صمدت واستمرت في البقاء وتواصل عملها وجهودها وكفاحها، برغم الظروف القاسية التي مرت وتمر بها البلاد، وبين كثرة هاجرت، وهي التي يطلق عليها اسم راس المال المهاجر، مع خبراتها في تحقيق التنمية، لتستثمر امكاناتها وقدراتها وخبراتها في اغلب دول العالم.
وهنا لا بدَّ من تحديد مسؤولية القطاع الخاص الحقيقي الذي يحقق التنمية بامواله وخبرته، لا ان تقتصر على من يعتمد على قروض الدولة فقط (التنفيذ بالزمة)، مقاول يعمل على دفعات الدولة، وتجربة هؤلاء قد فشلت، والسبب أنهم لا يحرصون على الاموال وتغريهم للاكتفاء بالدفعات وترك المشاريع، على عكس اصحاب راس المال الذين هم اكثر حرصاً على تنمية اموالهم وتنمية مواردهم ونجاح مشاريعهم، هذا هو واقع الحال وليس انتقاصا من أي شريحة.
اذنْ فالقطاع الخاص الذي يحتاج اليه البلد، والذي نريده، هم اصحاب المال والمال المهاجر، وهم وحدهم القادرون على تحريك عجلة التنمية.
ما المتطلبات لتشجيع هذا النوع من القطاع الخاص لاجتذابه؟ الجواب بسيط، ولكن التنفيذ اصعب؛ أولاً ضرورة دعم القطاع الخاص في الداخل، ممن لديهم قصص نجاح معروفة، وعدم عرقلة نشاطهم، وذلك بقوانين وتشريعات ضامنة وبيئة استثمارية امنة ( حماية قانونية )، لتكون جاذبة، وحماية للمنتج الوطني، وسياسة تجارية واستيرادية عقلانية، عند ذلك سوف نشجع رأس المال المهاجر على العودة حين يجد اصحابه زملاءهم في الداخل مدعومين بقوانين وضمانات، فهل هناك ارادة حقيقية لتوفير هذه المتطلبات؟! وبدونها لا يمكن ان نجتذب راس المال المهاجر.
وبدون توفر هذه المتطلبات فلا حديث نافعا عن دور للقطاع الخاص في التنمية، ولا تنمية تتحقق بدونه، أي القطاع الخاص، وتجارب القطاع الخاص الحقيقي في تحقيق التنمية عديدة وعلى امتداد الكرة الارضية، وهنا في العراق ما زالت العشرات من التجارب التي تعد من القطاع الخاص الحقيقي، والتي صمدت ولم تغادر العراق، ولم تزل متحفزة وتبذل جهودا خيرة، 
وحققت نجاحات مشهودة بالرغم من العراقيل، ولكنها لا تكفي لتغطية متطلبات تنمية البلد، مع قطاع عام خامل وفشل في تحقيقها.