د. محمد حلو الخرسان
من خلال متابعة مؤتمر صحفي لوزير المالية والذي يبين باختصار خطة الوزارة او برنامج عمل الوزير او خارطة الطريق التي يسير عليها في الفترة المقبلة وان الموضوع الذي تحدث عنه على قدر كبير من الاهمية لانه يرتبط بشكل مباشر بمعيشة المواطنين ومصادر رزقهم في هذا الوقت بالذات الذي تتوالى فيه التصريحات والاخبار والاجتماعات بشأن التخفيض او الاستقطاع من رواتب الموظفين، ونظرا لتلك الاهمية لحديث وزير المالية فقد تباينت ردود الافعال بين مؤيد ومعارض ساوجزها بشكل مختصر قبل ان اوضح وجهة نظري الشخصية.
فقد كان هناك اعجاب وتأييد لذلك الحديث جاء من مجموعة تعرف السيد الوزير شخصيا وقسم منهم قد عمل معه خلال تكليفه السابق واستندوا في تأييدهم لما يعرفونه من امكانيات وافكار يتمتع بها والقسم الاخر من المؤيدين هم اصحاب الاختصاص في الاقتصاد والمحاسبة والمالية العامة والادارة وكذلك رجال الاعمال في القطاع الخاص، فضلا عن الجهات التشريعية والتنفيذية في الدولة من المطلعين على حقيقة الوضع الاقتصادي والمالي في العراق.
وعلى النقيض من ذلك نجد من يعارض تلك التصريحات الى الحد الذي تبنى فيه عدد من النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي المطالبة صراحة من السيد الوزير بتقديم استقالته لما يرونه او يعتبرونه عجزاً في ادارة وزارة المالية بما يتحقق على اثره قطع لمصادر عيشهم واسرهم.
اما على المستوى الشخصي فانه يمكن تشبيه وزير المالية بقائد بحري اوكلت له مهمة قيادة سفينة في منتصف البحر وهذه السفينة فيها مشكلات وعيوب كثيرة، فضلا عن انها مثقلة جدا جدا، وقد اهملها المالكون السابقون لها واعوانهم ومساندوهم واستخدمت من قبلهم فقط لتحقيق اهدافهم ورغباتهم دون مراعاة لقواعد الابحار والسير الآمن، والوصف نفسه ينطبق على الذين تولوا قيادتها في فترات سابقة، ووجدت ان قائد السفينة الجديد امامه خياران لا ثالث لهما، اما ان يقوم باجراءات وخطوات يسعى للمحافظة من خلالها على السفينة من الغرق ولكن في ذلك مشكلات وردود افعال من ركاب السفينة وذلك امر طبيعي لان تلك الخطوات والاجراءات في وقتها غير الطبيعي وكان المفروض اتخاذها منذ سنوات سابقة عندما كانت السفينة في بداية الطريق وفي المياه والامواج القليلة وكذلك كانت حمولتها اقل.
انا شخصياً ارى ان كلام الوزير في المؤتمر الصحفي يدل على مهنية عالية واهتمام كبير وشعور بالمسؤولية وزهد بالمنصب لانه وجد في مستقبل العراق الاقتصادي اهم من مستقبله في الاستمرار بالوزارة من عدمه.
ولكن نقول ان تلك الخطوات التي تحدث بها السيد الوزير رغم اهميتها فانها جاءت في الوقت غير المناسب وكان من الاجدر ان تتخذ من سنوات الرخاء بعد 2003 في ظل اسعار النفط المرتفعة والانفتاح الاقتصادي والدعم الدولي ولكن للاسف كان هناك انفاق غير مبرر وغير مدروس وفساد مالي.
ونبين ادناه بعض النقاط باختصار:
اولا: ان اجراءات السيد الوزير الحالية هي اجراءات ناجحة لسياسات خاطئة ولكي يقتنع ركاب السفينة اقصد الشعب العراقي بتلك الاجراءات وينفذها رغم صعوبتها ينبغي ان تتوفر الارادة السياسية القوية لدى المالكين للسفينة واقصد اصحاب القرار الحاليين وان تترجم هذه الارادة بمحاسبة المقصرين سواء بقصد السرقة والتلاعب او بسوء الادارة بغض النظر عن مكانة المقصر والجهة التي تدعمه وكذلك اجراءات فعلية باسترداد الاموال العراقية المنهوبة في الداخل والخارج، وعند ذلك يتقبل الشعب اجراءات الاصلاح رغم قساوتها وتوقيتها غير المناسب، لانه من غير المعقول ترك الاموال المسروقة وعدم محاسبة اسباب الفشل الاقتصادي والسرقات والطلب من الشعب تحمل سياسة التقشف والاصلاح.
ثانيا: رغم قناعتي التامة بحكم التخصص ان السياسة الضريبية هي احدى ادوات السياسة المالية، ولكني ارى ان المبالغة بفرض الضريبة دون توفير الخدمات مقابل ذلك يشكل خرقا لمبدأ التكافل وعلاقة المنفعة التبادلية بين الشعب والسلطة المالية.
ثالثا: يبدو ان ثقل الضريبة التي ستفرض وفق الاصلاحات المعلنة والعبء الاكبر منها سيقع على الحلقة الاضعف والاسهل في مفاصل الدولة وهم شريحة الموظفين، وبدون مبالغة ان الموظف الذي يدفع سابقا 30000 دينار ضريبة استقطاع مباشر سيدفع على اقل تقدير مبلغ 350000 دينار طبقا لفرض الضريبة على اجمالي الراتب، وهنا على السلطة المالية ان تراعي الركن المهم ضمن قواعد الضريبة وهو العدالة الضريبية، اذ من غير المعقول ان يتساوى الموظف الذي يصرح عن دخله الاجمالي بنسبة 100% حسب قائمة الراتب، مع مكلف اخر لا يصرح بنسبة تزيد عن 20% من دخله المتحقق ولكن الاثنين يخضعون الى سعر ضريبي واحد والى معاملة ضريبية واحدة في السماحات.
ثالثا: ان معالي وزير المالية اختار الطريق الصعب في معالجة المشكلات الاقتصادية وينبغي على السلطة المالية عدم الاكتفاء بالطريق السهل وهو رواتب الموظفين لزيادة الحصيلة الضريبية، وانما البحث عن اوعية ضريبية جديدة وزيادة فاعلية النظام الضريبي وتقليل نسبة التهرب الضريبي التي صرحت عنها وفق احصاءات وزارة المالية بانها تتجاوز 61 بالمئة، فضلا عن تفعيل انواع اخرى من الضرائب اضافة الى ضريبة الدخل يكون لها دور اكبر في زيادة الحصيلة الضريبية.