أين ذهبتْ قـَفـَشات المعلقين؟!

الرياضة 2020/06/14
...

علي رياح
 

لماذا اختفت القفشة المَرحة البليغة من لغة أو سياق التعليق الرياضي العراقي ؟ وماذا حلَّ بروح الدعابة التي كان يتسلل بفضلها المعلقون إلى أنفسنا وقلوبنا وعقولنا حتى في أشدّ اللحظات احتداما في المباريات الكروية؟! وهل صار سهلا أن نستبدل سرعة البديهة بالتكلـّف والتظارف أو ادّعاء المرح الذي لا يصل غالبا عبر الأثير لأنه مُقحَم مُتصنـّع؟!
عند منضدة ضابط جوازات مطار بغداد الدولي ، لمحت المعلق الكبير طارق حسن في قمة الانشراح وهو يتحاور مع الضابط الذي كان أخبره متأسّـفا بوجود قيد منع من السفر عليه .. كان أبو زياد وأنا في مهمة مرافقة المنتخب العراقي إلى معسكره التدريبي في الأردن والذي سبق مواجهتنا الحاسمة الأولى مع سوريا في تصفيات كاس العالم عام 1985 .. 
وحين اقتربت من الاثنين وجدت طارق حسن وقد تلقى الصدمة بالضحكة . وحتى عندما قررتُ عدم السفر والعودة معه إلى بغداد للعثور على حلّ لقضية منعه ، كان  (حرامي بغداد) يُبدع النكتة تلو الأخرى ربما طردا للشعور بالألم الذي اجتاحه ، فقد كان يُدرك أنه كان ممنوعا فقط من التعليق على خلفية عبارات أطلقها خلال مباراتنا الحاسمة مع قطر في ختام دورة الخليج العربي السابعة في مسقط ، ولم يكن قد أبلغ بمنعه 
من السفر!
المهم أننا وجدنا خلال ساعات حلا للقضية ، فتمّ رفع القيد ، وعدنا للسفر إلى عمّان في اليوم التالي .. وكانت واحدة من أروع رحلات العمر ، سبقتها وأعقبتها رفقة شبه دائمة للراحل الكبير طارق حسن حين يدخل كابينة التعليق في ملعب الشعب ، وكنت شديد الحرص على الجلوس بجواره للاستماع إلى قفشاته التاريخية التي لا يبدعها في يسر وفي تلقائية شديدة إلا مُعلق من طراز طارق حسن ، يملك روح الدعابة في كل تفاصيل يومه وعمله برغم أحزانه الشخصية ، من دون أن تهتز صورته المحترمة لدى كل من يعرفه أو يعمل معه..
قبل أيام أعادني الزملاء في برنامج (من الماضي) إلى قفشات طارق حسن بلهجته البغدادية اللذيذة . كانت واحدة من أهم المفاجآت أن فريق عمل البرنامج جمع عددا من التعليقات الساخرة الممتعة لطارق حسن خلال مباريات محلية ودولية ، ولم أكن قادرا على تمالك نفسي من الضحك ..
رحل طارق حسن ورحلت معه الضحكة في التعليق . لم يكن ما ينطقه في اللحظة المناسبة إسفافا أو خروجا عن موجبات الوقار.. كان كثير من زملائنا الإعلاميين يصفونه بأنه واحد من مشاهير بغداد الظرفاء . وإذا امتزجت هذه الفطرة لديه بمرجعية رياضية صحفية إذاعية شديدة القوة ، فإن قفشاته تولد من رحم البديهة الحاضرة المستنفـَرة 
بتلقائية شديدة ..
يظل طارق حسن علامة فارقة في فن التعليق . كل معلق في هذه الدنيا له مزية أو عيب أو لازمة ترتبط بأدائه وفقا لما يصل إلى المتلقي المشاهد .. إلا طارق حسن ، فقد اختصّ لنفسه بالمرح في التعليق ، فكانت العدوى تنتقل إلينا في كابينة التعليق وفي مكاتب الصحيفة مثلما تنتقل إلى جمهور التلفزيون الواسع الذي كان يشهد لأبي زياد بالأستاذية والبراعة .. 
وخفة الدم!           
فاصل ونواصل