كيف استخلص نيكولاس سميث القوة من الفن؟

ثقافة 2020/06/16
...

فكتوريا هيرنانديز ترجمة: بهاء سلمان
 
بدلاً من تصوير أحمود اربيري بابتسامة مع ربطة عنق مقوّسة، ظهرت لوحة له بالملابس الرسميَّة ذاتها، لكن مع إغلاق عينيه نهائياً والى الأبد بفمٍ مفتوح، مع كلمات لم يكن ليرددها مرة أخرى على الإطلاق.

وهو ما تم اختياره على عدة مواقع تواصل اجتماعي كتجسيد للألم الذي انتابه لموت اربيري (شاب من أصول أفريقية عمره 25 سنة تم قتله بدم بارد من قبل أب وابنه في ولاية جورجيا الأميركية بدواعٍ عنصرية أثناء تنزهه في إحدى الحدائق- المترجم). نيكولاس سميث، الفنان الذي يقف خلف الصورة المنتشرة بشكل واسع، يرغب في رسم ذكريات سعيدة لتحية أناس فقدوا حياتهم بشكل مأساوي، لكنْ ليس بعد سماعه لكيفيَّة إطلاق النار على الرجل ذي الـ25 عاماً وقتله أثناء ما كان خارجاً للهرولة.
 
عزاء مؤلم
"اليوم لنْ أرسم الفرحة... اليوم أنا أرسم الألم، وأصوّر الظلم. اليوم أرسم الصلاة...’ إذا كنت سأموت قبل إنهاء الجري، أتضرع الى القدير أنْ تحوز قضيّتي النجاح.‘" هكذا كتب سميث شارحاً عموده على الانستغرام يوم السادس من آيار الماضي. وسرعان ما صارت هذه لوحته الأفضل مع أكثر من 28 ألف تعليق وإعجاب، وأهتم بها الكثير من مشاهير الفن والثقافة بنطاقٍ واسع داخل الولايات المتحدة.
ويربط الفنان المقيم في مدينة لوس أنجليس القصص الشخصية مع قضايا ذات دلالات ثقافية. ومع اجتياح جائحة كورونا للولايات المتحدة، ارتفعت أهمية عمل سميث مع تواصله برفع مستوى الإدراك لما موجود من تباينات بين الأعراق في أميركا بينما يعمل أيضا على ترقية من يصيبه الضرر.
ولكونه أسود البشرة، وضع سميث على عاتقه مسؤوليَّة خاصة كـ"فنان ناشط"؛ فمع لوحة اربيري، كانت رسوماته لاتاتيانا جيفرسون جالسة بسعادة داخل غرفتها قبل إطلاق النار عليها وقتلها من قبل الشرطة، وكولن كايبرينك راكعاً احتجاجاً على وحشية رجال الشرطة من ضمن اللوحات التي حازت على مديات واسعة. كما تم حظره من قبل الرئيس ترامب لانتقاده اللاذع إياه على اصداره عفوا عن مالك فريق سان فرانسيسكو لكرة القدم الأميركية المدان بالاحتيال المالي.
لكن هدفه لا يقتصر فقط على دعم المجتمع الأسود، فقد واسى المجتمع اليهودي الذي أصيب بهزة حين حصول حادثة اطلاق النار عند كنيس شجرة الحياة في بنسلفانيا، علاوة على لوحة لطفل من حلب السورية واجه أهوالا مرعبة في الشرق 
الأوسط.
 
حب الإنسانيَّة
وتصدر العديد من هذه الرسومات من سلسلة سميث سندي سكيتش، فقد بدأت كعلاجٍ شخصي، وهي الآن تمثل مصدراً للقوة يوظفه للوصول الى أشخاص من جميع الخلفيات المحتاجين الى الراحة والأمل. وحين سؤاله عن مدى تمكنه، ولكونه رجلاً أسود مقيماً في الولايات المتحدة، من توظيف فنه لرفع مستوى الوعي حيال الظلم ووحشية الشرطة، ردَّ قائلاً إنَّ موقعه كفنان ناشط اكتنفته مرارة وجود كمٍ هائل من اللحظات المؤلمة للمجتمع الأسود، وأفكاري الرئيسة المتعلقة بكون الجريمة الكريهة المرتكبة ضد احمود اربيري تشير الى أنه لا يمكن لأي فرد يعيش على كوكب الأرض، وبسبب لون بشرته، الخوف مطلقاً من الذهاب خارجاً لأداء هرولة يوميَّة وعدم مقدرته على الرجوع سالماً الى المنزل.
أما مع اتاتيانا جيفرسون، أردت إظهار لحظة فرحها الأخيرة عندما كانت تلعب بألعاب الفديو مع ابن أخيها، وتلا ذلك إطلاق الرصاص عليها من الشرطة وقتلها. وبعد انتشار لوحتي، قرر النائب مارك فيزي استخدامها كأرضيَّة لمبنى الكونغرس للمساعدة في الجدل الدائر حول الهمجيَّة المنظمة للشرطة. وبعد ذلك كله، أرسلت لي أسرة الضحيَّة على الفيسبوك رسالة شكر، وعبروا عن مدى تقديرهم للفن الذي أقدمه، وأحسست حقاً حينها أنني أقدم شيئاً 
للمجتمع.
ويواصل سميث حديثه بالقول إنه في الوقت ذاته، الفن الذي يقدمه هو لجميع الناس، وهناك الكثير جداً من اللحظات التي أريد من خلالها مساعدة المجتمعات المتعرّضة للأذى والحزن. 
لدي قطعة أطلقت عليها "اللقاء مع الأعداد الأكبر"، فهي بشكل أساس تشير الى أنك كإنسان يمكنك أنْ تلتقي أكبر عددٍ ممكن من الناس الذين لا يشبهونك في مجمل حياتك. وتحوي اللوحة جميع هذه الأيادي المختلفة من المجتمعات كافة، تتشابك لتتصافح سوية. هذا هو أحد الأشياء التي أسعى دوماً لتحقيقها وتجسيدها من خلال فني، وهو ببساطة أننا جميعاً نواجه الأقدار ذاتها سويَّة. وفي كثيرٍ من الأحيان، بمقدورنا وبكل سهولة تقسيم أنفسنا، ليتخذ كل فرد منا جانباً يخصه، ومن ثم ندخل في حرب مع بعضنا البعض بينما لا ينبغي أنْ يكون هناك أي داعٍ للنزاع، فنحن جميعاً عرقٌ إنساني
واحد.
 
 عن صحيفة لوس انجليس تايمز الأميركيَّة