وانغ لي
على ضوء الواقع الجديد الذي فرضته أزمة فيروس كورونا المستجد وتطلعات استعادة الحياة الطبيعية في أقرب وقت، يبرز دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أكثر من أي يوم مضى كأحد المحاور المهمة في سياق الجهود الحكومية التي تستهدف الحفاظ على الصحة العامة ودعم مسارات استمرار العمل والتعلّم وغيرها من الأمور المعنية بتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في العراق وعودة الأمور لنصابها الطبيعي ضمن مختلف المجالات.
وفي هذا الإطار، تزداد أهمية إدراك الدول للدور الحيوي الذي تلعبه عملية التحول الرقمي ضمن قطاع الأعمال ومختلف خدمات الجهات الحكومية في سعيها للتعايش مع الواقع الجديد وإيجاد الوسائل الكفيلة بمواجهة الوباء واستمرار دورة الأعمال والوفاء بمتطلبات فترة ما بعد
الفيروس.
لا شك أن أثر الأزمة قد يطال الجميع ابتداءً من العاملين في القطاع الصحي وصولاً إلى المعلمين والتجّار والصناعيين وغيرهم. لذلك بات من الضروري على جميع القطاعات في العراق إعادة النظر في كيفية أداء أعمالهم والقيمة التي يوفرونها لعملائهم بحسب متطلبات المرحلة الحالية ومعايير نجاح استمرار الأعمال ومقتضيات المصلحة العامة في المستقبل القريب. وتأتي المنصات الرقمية كأحد أهم الروافد التي تسهم بفاعلية في توفير متطلبات المرحلة الحالية، إذ لا يقتصر دورها على تمكين إنجاز الأعمال مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي فحسب، وإنما تتيح كذلك اتخاذ القرارات بسرعة وفعالية أكبر، وتيسير خدمات أكثر جودة
وتنافسية.
على مدار الأشهر القليلة الماضية، حدد المتخصصون أهم التقنيات التي تؤدي دوراً مهماً في مكافحة فيروس كورونا المستجد، وأفضل طرق مساهمة الحلول التكنولوجية الحديثة في استمرار الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية. على سبيل المثال، تسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة في دعم جهود العلماء والأطباء من أجل التوصل إلى العلاج واللقاح للمرض، في حين تعمل تقنيات التعاون الذكية على تمكين المعلمين والطلاب في جميع أنحاء العالم من التواصل مع بعضهم البعض وتوفير منصات جديدة لمواكبة الحركة الاقتصادية ومختلف مناحي التواصل الاجتماعي. وتمكن الكاميرات وأنظمة التحليل المتطورة الجهات الحكومية من مراقبة الأماكن العامة وإجراء الاختبارات عن بعد للحفاظ على صحة المواطنين واستقراء وتحليل المعطيات لإيجاد الحلول بشكل سريع وفعّال.
وما كانت أي من هذه الإسهامات ممكنة لولا وجود نظام عالمي إيكولوجي متماسك لتقنية المعلومات والاتصالات، مدعوم بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والبيانات الضخمة. ولا شك بأن العراق يتمتع بإمكانيات كبيرة في مجال العقول العلمية والتقنية النيرة التي يمكن لها أن تستلم دفة التحكم بالاستناد للأساسات الموجودة حالياً من البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات والإمكانات المستقبلية الواسعة التي ستتيحها التقنيات الحديثة لدى توفرها في العراق، وفي مقدمتها شبكات الجيل الخامس التي ستسهم في زيادة سعة وإمكانيات شبكات الاتصالات والقيمة المضافة التي توفرها لسائر القطاعات الاخرى ومنها توفير وسائل فعالة للقطاع الصحي من أجل مكافحة فيروس كورونا والتعامل مع أية أزمة مستقبلية
مشابهة.
يشكل النظام الإيكولوجي المفتوح لتقنية المعلومات والاتصالات الأساس المتين لكافة القطاعات الأخرى في مواجهة التحديات، إذ يواجه كل قطاع اقتصادي تحدياته الخاصة التي تحتاج حلولاً مخصصة.
ولا يمكن لدولة أو جهة إنشاء هذه الحلول من خلال العمل بمفردها، بل من خلال عمل جماعي مشترك يعتمد على التعاون المنفتح في إطار بناء النظام الإيكولوجي المطلوب لتقنية المعلومات والاتصالات الذي تنطلق منه جميع محاور دعم الأوجه المختلفة لعملية التنمية والتطوير الاجتماعي
والاقتصادي.
مواجهة الفيروس تتطلب مشاركة الخبرات بشكل أفضل، خاصة في المجال التكنولوجي. وتسهم عملية تبادل المعرفة في تطوير النظام الإيكولوجي للمواهب المحلية. ويتجلى ذلك في العديد من المبادرات، بما في ذلك مؤتمرات التعليم عبر الإنترنت التي تهدف إلى إثراء التجربة الحالية وتوفير مزيد من إمكانات التعلّم المستمر للطلاب في العراق وفق أساليب أكثر تطوراً وفاعلية، والمساهمة في تسهيل تبادل الموارد لإيجاد الحلول اللازمة لضمان استمرارية وجودة التعليم عبر الإنترنت في الوقت الذي لا تزال فيه العديد من المدارس والجامعات مغلقة. كما تهدف المبادرات إلى تمكين الشباب العراقي بمزيد من المعرفة وأطر صقل المواهب والخبرات كجزء من التزام البلاد ببناء النظم البيئية المحلية للمواهب في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي ينطلق منها دعم العمل على تطوير جميع القطاعات الأخرى مستقبلاً.
* خبير اقتصادي دولي