العالم لن يتخلى سريعاً عن أزمته النفسية

ثقافة 2020/06/17
...

ميادة سفر
 

تباينت ردود أفعال الأشخاص مع بدء انتشار فيروس كورونا في العالم، بين مستخف ومستهزئ وغير مبالٍ، وآخر حريص وخائف ومتابع لكل الأخبار المتعلقة بهذا الكائن المجهري المستجد. ومع ازدياد رقعة انتشاره وحصده للمزيد من الضحايا، سواء إصابات أو حتى وفيات.

بدأت نظرة الكائن البشري إليه تتغير شيئاً فشيئاً، فاللامبالي بات مهتماً والحريص أكثر حرصاً، فيما اشترك الاثنان بزيادة مستوى الخوف لدى كل منهما، حتى صارت سمة ملازمة لأغلب الأفراد في دول العالم أجمع، تلك التي فتك بها الوباء، وحتى البلدان التي لم يكن قد وصلها بعد، وهذا بسبب الغموض والجهل الذي اكتنف ظهوره وتطوره، وطريقة انتشاره، وتضارب المعلومات حول الوقاية والأشخاص الأكثر عرضة للإصابة به، فعمَّ الخوف والهلع مجتمعات كثيرة.
إن الناس عاشت رعباً حقيقياً وطويلاً بسبب هذا الفيروس المستجد، وتضررت نفسيتها بشكل كبير، وأصبح الإنسان يعاني الخوف بشكل مضاعف، ومما لاشكَّ فيه أنّ هذه المسألة بات من الصعب الهرب منها حتى لو عادت الحياة إلى طبيعتها، فسوف يبقى الخوف والارتياب من أهم تداعياتها وآثارها التي لا ريب ستستمر لوقت ليس بقليل. فقد كان العزل والتباعد الاجتماعي، فضلاً عن البطالة التي عانى منها ملايين الأشخاص، والأزمات الاقتصادية وعجز النظام الصحي في كثير من البلدان، محرضاً ومصدراً للتوتر والقلق والاكتئاب لدى الأفراد.
وقد توقع الباحثون ازديادا في حالات الانتحار نتيجة الانعكاسات النفسية لانتشار الفيروس، وتالياً للأوضاع السيئة المستجدة هي الأخرى، كما حدث إبان انتشار أوبئة سابقة مثل “السارس” و”الإيبولا”، 
وغيرها. لم يتمكن الإنسان برغم التطور الكبير، الحاصل على مستويات ومجالات كثيرة، أن يمنع أو يخفف من حدة الأزمات التي يتعرض لها سواء صحية أم اقتصادية أو سياسية وأمنية، فتزايد شعوره بالخوف والقلق على حياته ومستقبله.
لذا فإنّ إنساننا اليوم بات يدرك كم إنه هش وضعيف، وعرضة في أي زمان ومكان لهجوم كائنات غاية في الصغر قد تقعده في بيته، الأمر الذي دفعه إلى التساؤل والتفكير في كيفية ترتيب حياته القادمة. لا بدّ سيعمل على تعزيز قدرته ومناعته، كما سيزداد حرصاً ويصبح أقل ثقة بما يحيط به من كائنات بشرية
ومجهرية. كما إنه سيعنى أكثر بنظامه الغذائي، ويولي وقتاً مضافاً للتأكد من سلامة ومصدر المادة التي يتناولها، فضلاً عن الضغط على حكومة بلاده لإيلاء عناية أكثر، وتقديم الدعم الأكبر للنظام الصحي الذي كاد يثبت فشله في مواجهة الفيروس 
المستجد.
إن العالم لن يتخلى عن أزمته النفسية سريعاً، وسيمرُّ وقت ليس بالقصير حتى يتمكن من تجاوز تلك الآثار، وهنا يأتي دور الدول والحكومات لإعادة الأمور إلى نصابها بالنسبة لمواطنها الذي فقد ثقته بها، فجدير بأنظمة اليوم، على اختلافها، إعادة النظر بأولوياتها، لعل الإنسان يكون في مقدمتها.