سعدي الحلي... الكلام الشفيف والحزن العذب

الصفحة الاخيرة 2018/12/29
...

  د. رشيد هارون
 
يقف سعدي الحلّي على دعامتين من الشفافية لا يكاد يقف عليهما مطرب غيره، وهما شفافية الأداء وشفافية الكلام الذي غناه، وعلى الرغم من صدود النقد الموسيقي عنه وتأخّر العناية به في الاذاعة والتلفزيون إلّا أنّه اتخذ وسيلتين للشهرة عالما بذلك أو غير عالم، أما الوسيلة الأولى فتتجلى في “الكاسيت” الذي تمّ تداوله في السبعينيات نتيجة انتشار المسجّل، 
فكان وسيلته لطرق باب الذائقة السمعيّة، ساعده على ذلك أصحاب مكاتب التسجيلات الذين كانوا يتخذون من مكاتبهم ما يشبه الأستوديو هذه الأيام، فيسجلون أغاني سعدي ويقدّمون لها موثقين المناسبة والتاريخ ومكان التسجيل والفرقة المرافقة، ولعل هذه التسجيلات هي الوحيدة التي كانت تعلن أسماء العازفين ورسخت أسماء فنانين مثل عازف الكمان فالح حسن، العازف الأسطورة/الشفاف الذي رافق جلّ المطربين الريفيين والشعبيين وترك نكهته الخاصة ولمسات أصابعه الساحرة على الأغاني التي اشترك في عزفها، أما الوسيلة الثانية التي كانت نتيجة عن شفافية الأداء فتتجلّى في دعامة وأهمية الشعراء الذين تعاملوا معه وعلى رأس القائمة يأتي الشاعر كاظم الرويعي، وناظم السماوي فضلا عن دعامة وأهمية الملحنين مثل محمد جواد أموري ومحسن
 فرحان. 
فكان عن طريق تلكم الوسيلتين يفرض حضوره عراقيّا ويتقدم الى الاذاعة والتلفزيون شيئاً فشيئاً حتى هيمن على الذائقة السمعية في الثمانينيات صعودا حتى وفاته وهي المدّة التي عصفت بها الحروب والحصار والتغيرات السياسية في حين كان سعدي الحلي يعمّق الطرب واللون الخاص به من خلال صوت فريد يغني الكلام الذي
 يحب.
   أغنيته “تناشدني عليك الناس وتحيّر شجاوبهه” تؤكد أن سعدي الحلي مطرب مديني بنكهة شعبيّة يتذوقها المدنيون، فلغة الكلام المغنى لغة مدينية وهي لغة تقوم على تجربة تمثل العامة المدينيين، و “يمته الكَاك” كلمات كاظم الرويعي الحان محمد جواد أموري مثالٌ لتلك الأغاني التي استلهمت الغناء نفسه، والشوق للقاء: (يمته الكاك يمضيّع سنين العمر بفراكك/ يمته الكاك أغنيلك واجمع شوكي بشواكك/ يا واحة ورد وتفوح/ يا أول عشك للروح/ سالفتي طويله اوياك يمته الكاك)، ففي المقطع: (لنتظرك وشد اعيوني لهلالك/ وضملك جلمه ما مرت على بالك/ وطشن ضحجتي بوجوه عذالك/ يا واحة ورد وتفوح/ ياأول عشك للروح/ سالفتي طويله اوياك يمته الكاك) تسمو شفافية الحب عن طريق صور شعريّة شفيفة ومبتكرة وعميقة ومعيشة في آن واحد لترتقي الكلمات بالغناء الشعبي لتزجه بمدينية المعالجة والرؤية ولتفتح أمامه آفاق التلقي رحبة لشفافية روح سعدي الحلي وتلقائيته وصدقه وطرقه على روح أداء وطور صار لا يمثل إلّا سعدي ولا يقترب منه مطرب سواه لقدرته على تمثل الكلام الذي أذاب العتاب بالشوق، والقسوة بالشفافية: (يا حنظل فراكك يا عسل شوفك/ تظل عطشانه كل روحي لطيوفك/ ذبلت وردتي والماي بجفوكك/ يا واحة ورد وتفوح يا أول عشك للروح/ سالفتي طويله اوياك يمته الكاك) ولا يمكن إغفال ما مفاده أن صوت سعدي يحمل دائماً حزناً شفيفاً يتصادى حتى في تلك الكلمات التي تخوض في الشفافية وتنأى عن
 القسوة.