الجهود المقالية للدكتور فائق مصطفى

ثقافة 2020/06/22
...

د. سلوى جرجيس النجار
 
يُعد الدكتور (فائق مصطفى) أحد أعلام النقد الحديث في العراق، وله جهود نقدية بارزة في الحقل المسرحي والمقالي، وقد قدم للمكتبة العربية مؤلفات عديدة ومقالات منشورة في الصحف العراقية، وتم تدريس كتابين من كتبه في الجامعات العراقية في المرحلة الرابعة وحتى الوقت الحاضر. 
بدأ بنشر مقالاته في الصحف العراقية في مطلع الثمانينيات، وقد اتسم بعض منها بسمة المعارك النقدية، والبعض الآخر غلبت عليها المضامين الاجتماعية والسياسية والتي استطاع من خلالها التعبير عن قضايا المجتمع محاولا من خلال ذلك تسليط الضوء على بعض المظاهر السلبية في المجتمع ونقدها من أجل معالجتها.
وقد تمثل توجهه للمقالة في ثلاثة أمور:
-1  تأصيل المقالة.
-2 استخدام المقالة في تعلُّم العربية.
-3 استخدام المقالة لغرس قيم التربية في النفوس ولتطبيق الوظيفة الخلقية في الجامعة أو في المدارس. ومن مقالاته (في بغداد ولدت المقالة الأدبية)، (دور المقالة الأدبية في تنمية الإنسان)، (سبل النهوض بكليات التربية)، (البيروقراطية في الدوائر الحكومية)، (محيي الدين زنكنه عاشقا للسمو الخلقي والسمو الفني)، (الوعي الاجتماعي). ومن كتبه عن المقالة (دفاع عن المقالة الأدبية)، و(المقالة الأدبية والاستنارة)، و(جمال المرأة) وهذا الاخير تضمن عددا كبيرا من مقالاته. أما كتاب (فائق مصطفى مقاليا) للباحث (محمد عبدالله الحمداني) فهو في الأصل رسالة ماجستير نوقشت في كلية التربية للعلوم الانسانية – جامعة كركوك، وقد سعى الباحث الى الوقوف على جهود الناقد الاكاديمي في حقل المقالة ابداعا ونقدا من خلال تمهيد وثلاثة فصول، وأتبع هذه الفصول بخاتمة أجمل فيها أهم النتائج التي توصل إليها.
جاء التمهيد في محورين: 
-1 مفهوم المقالة وجذورها في الأدب العربي. 
-2 سيرة الكاتب.
أما فصول الكتاب فقد تضمن مايأتي :-
الفصل الأول: اتجاهات المقالة من حيث المضمون، وقسم هذا الفصل على ثلاثة مباحث، هي:
المبحث الأول: المقالة الاجتماعية، وتناول فيه تعريف المقالة الاجتماعية، اذ يرى أنها "تلك المقالة التي تعالج المجتمع وأمراضه، مثل الجهل والفقر والعادات والتقاليد البالية، كل بأسلوب أدبي راق، خال من الابتذال والمباشرة الفجة، وفي صياغة هي قريبة من الصياغة الفنية الرفيعة، والكاتب في المقالة الاجتماعية هو الكاتب الأديب، وليس الكاتب الاجتماعي وحسب". ثم تابع ببيان علاقة الأدب بالمجتمع، وأهمية أن يكون الأدب تعبيرا عن هموم الشعب وتطلعاته، وأن مقالات د.فائق في قسم كبير منها تكشف عن روحه الاجتماعية ورؤيته الدقيقة لأهم القضايا الاجتماعية السائدة والتي تشكل مظهرا من مظاهر التخلف الحضاري، ومن أهم مقالاته الاجتماعية، مقالة (الوعي الاجتماعي) و (سبل النهوض بكليات التربية) و(جمال المرأة)  و(ما أكثر النزاعات في المجتمع العراقي) وغيرها من المقالات الاجتماعية وبعد تحليل هذه المقالات يرى الباحث ان المقالة الاجتماعية لم تكن مجرد عرض للمضامين بل شخصت الأسباب والحلول ايضا. 
المبحث الثاني: المقالة السياسية: وهي المقالة التي تتناول "مشكلة حزبية أو فكرية سياسية أو وطنية أو دولية، ويهاجم الاستعمار على اعتدائه على الحريات ويبصر الجمهور بما يحيط ببلاده، ويستثيره للذود عن مقدساته بأسلوب سهل بعيد عن الزخرفة". فالمقالة السياسية عند الباحث هي المقالة التي تكتب بلغة أدبية تجسد أفكارا وطنية وقومية يريد الكاتب من خلالها اثارة عواطف المتلقين بلغة سلسة يفهمها جميع القراء. ومن أبرز مقالات د.فائق مصطفى ذات المضمون السياسي، مقالة (البيروقراطية في الدوائر الحكومية) و(رسالة الى البرلمان) وغيرها، ويرى الباحث ان الدكتور من خلال هذه المقالات يدعو الى حكومة ديمقراطية قائمة لخدمة المواطن العراقي.  
   المبحث الثالث: المقالة الأدبية: هي تلك المقالة التي تتناول قضية من قضايا الأدب او شخصية أدبية مستهدفا من ذلك المتعة اللغوية والمنفعة لما في هذه المقالات من طابع تنويري لما للادب والنقد من علاقة وثيقة بالانسان، وهنا لا بد من امتلاك الناقد لمقومات الابداع الادبي من أدوات ذوقية ونقدية. ومن مقالاته الادبية (كتاب جديد- التناص في الشعر العربي الحديث)، و(النظرة الذاتية والنظرة الموضوعية الى النقد)، و(التربية العقلانية في مقالات زكي نجيب محمود) وغيرها، ويرى الباحث أن د.فائق في مقالاته الأدبية كان في تناوله لبعض الشخصيات الأدبية ذا هدف وغاية سامية، وهو تسليط الضوء على المبدعين الذين يتميزون بالأخلاق النبيلة، ويهدف من ذلك الى بناء مجتمع سليم بعيد عن العلل الاجتماعية والآفات الحضارية وبلغة أدبية فنية بعيدة عن الإنشائية. 
الفصل الثاني: ملامح شعرية المقالة إبداعا، تناول فيها الباحث مادة هذا الفصل من خلال ثلاثة مباحث، وهي:
المبحث الأول: اللغة الشعرية.
المبحث الثاني: الصورة الشعرية.
المبحث الثالث: الايقاع الموسيقي.
وفي ما يخص هذه المباحث الثلاثة فإن الباحث قدم تعريفا لكل مفهوم من هذه المفاهيم، فضلا عن مفهموم اللغة في مجال الابداع، والانزياح، والتكرار والتوازي والجناس، وقد وفق الباحث الى اختيار عدد من المقالات التي تكشف عن ملامح شعرية المقالة عند د.فائق، ومن هذه المقالات، (الطيب والذوق)، و(ترقية الحواس)، و(البساطة مفتاح السعادة) و (المرأة في السليمانية) و (ما أحوجنا الى ثقافة الاعتدال) و (الحياة بنكهة رومانسية)، ويخرج الباحث بنتيجة وهي، أن شعرية المقالة تحققت في النصوص الابداعية عن طريق لغتها الأدبية ومافيها من صور شعرية، فضلا عن ايقاعها الموسيقي.
الفصل الثالث: المقالة نقدا  
وتم تقسيم هذا الفصل أيضا على ثلاثة مباحث، كما هو مبين:
المبحث الأول: الفكر النقدي: وهنا بين الباحث علاقة العقل بالفكر ومن ثم علاقة النقد بالخلفية المعرفية للناقد، ودور الفكر النقدي لدى الناقد اثناء مقاربة النص الابداعي، ويرى أن الفكر النقدي عند د.فائق فكر متأصل عن ثقافة كلاسيكية تجاه هذا الفن أي (المقالة)، وينطلق بها من فكر كُتاب المقالة العرب، وأن الرؤية النقدية عنده قائمة على اساس أن المقالة الأدبية هي من الفنون التي غالبا ماتعالج المشاكل الاجتماعية، فضلا عن أن الخطاب المقالي عنده خطاب عقلاني تنويري يسوده التفكير المنطقي، ويتلاءم مع روح العصر، وذلك لأن المقالة عنده تتوافق مع ما آل اليه التغيير في نوع ونظرة القارئ الى مايقرأ. 
المبحث الثاني: منهج القراءة النقدية: وفي هذا المبحث يقدم الباحث تعريفا بالمنهج وبالمناهج النقدية بأنواعها المختلفة، ثم يذكر المقالات التي وقف عندها د.فائق بالتحليل مبينا الجوانب الفنية فيها من خلال الوقوف على بناء المقالة وأسلوبها، فضلا عن الفكرة أو الموضوع الذي تضمنته، ويقرر الباحث أن د.فائق قد اعتمد على المنهج الاجتماعي في أغلب مقارباته، لاسيما أنه كان حريصا على دراسة المقالات التي تهتم بالقضايا الاجتماعية بجميع الجوانب، ومن المقالات التي وقف عندها، مقالة لأحمد أمين (كن سيدا)، ومقالة المنفلوطي (احترام المرأة). وكذلك اعتمد المنهج النفسي حين وقف عند مقالة للمنفلوطي (مناجاة القمر)، والى جانب هذا لم يهمل الجانب النصي، مثل وقوفه عند مقالة أحمد أمين الموسومة (بساطة العيش) ومقالة زكي نجيب محمود (نفوس فقيرة) فهو يقف عند العنوان والتراكيب اللغوية، بل وحتى الايقاع الصوتي.   
المبحث الثالث: الحكم النقدي: وفي هذا المبحث يوضح لنا الباحث مفهوم المعيار، والقراءة الأولى والثانية، الى جانب مفهوم التلقي وأشكاله، فضلا عن أهم مرتكزات العملية النقدية ومرجعيات الناقد.
لذا جاء هذا المبحث ليجيب عن سؤال: ما المعيار النقدي أو المقاييس التي اعتمدها الناقد فائق مصطفى؟، والجواب عن هذا السؤال هو أن المقاييس التي اعتمدها في اطلاق الأحكام على النصوص المقالية كانت دقيقة، وذلك لأنَ المعيار النقدي الذي قارب من خلاله النصوص المقالية برز في جانبين، الأول: الجانب الشكلي، اذ ركز على اللغة من خلال البحث عن شعرية المقالة بكل مفاصلها من أجل تحقيق المنفعة في الجانب اللغوي والأدبي، لاسيما أنه رفع شعار (اقرأ كل يوم مقالة تتثقف)، والثاني: الجانب المضموني، وهنا يقف على أهمية المضمون وما يمكن أن يقدمه من منفعة للمجتمع.