الحماية الجزائيَّة للثروة الزراعيَّة
استراحة
2020/06/23
+A
-A
القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
يعدُّ القطاع الزراعي مصدرا للغذاء الانساني وإنَّ الاهمية الاقتصادية للثروة الزراعية توجب اضفاء الصفة الاجرامية على انماط من السلوك التي تشكل اعتداء على ذلك النشاط وتقرير الجزاء الذي يناسبها.
ويلعب القانون الجنائي دورا مهما في ضمان حماية نمو وتطور النشاط الزراعي على النحو الذي يحقق اهدافه في رفد الاقتصاد الوطني وان الحماية الجزائية للثروة الزراعية من خلال التجريم والمنع والحظر والزجر والردع بما يؤمن تحقيق استقرار النشاط الزراعي.
ويعد القطاع الزراعي من القطاعات التي كفل لها الدستور الحماية وان المشرع العراقي قد نص على الجرائم الماسة بالقطاع الزراعي في اطار الحماية الجنائية الذي وضعها قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل لاهم صور النشاط الزراعي في الباب الثالث الفصل العاشر منه والذي جاء بعنوان جرائم التخريب و الاتلاف و نقل الحدود في المواد (478- 479-480-481 ).
وهناك عدد من التشريعات التي اصدرها المشرع العراقي حماية للاقتصاد الوطني والثروة الزراعية كما تظهر حماية النشاط الزراعي جنائيا من خلال سعي المشرع الى تنظيم هذا النشاط و ارساء قواعده على اسس علمية و حديثة و من خلال حرصه على استغلال الموارد الزراعية الطبيعية استغلالا امثل والحيلولة دون تدهورها و اندثارها و المحافظة على انتاجيتها.
وان هذه الضرورات دفعت المشرع العراقي الى سن قوانين خاصة بتنظيم و استغلال و حماية الانشطة الزراعية و في مقدمتها قانون الاصلاح الزراعي و قانون تنظيم تداول المواد الزراعية وقانون ارساليات النباتات و المنتجات النباتية العابرة وقانون تنظيم الاستثمار المعدني و قانون تصنيع و تداول المبيدات الحشرية.
و في غالبية هذه القوانين نجد ان المشرع العراقي ضمنها بعض النصوص الجنائية التي تجرم و تعاقب على الافعال المخالفة لها و قد اصدر المشرع العراقي العديد من التشريعات التي اناط بموجبها صلاحية النظر في العديد من قضايا الزراعة الى جهات ادارية.
و من هذه القرارات والقوانين قانون حماية و تنمية الانتاج الزراعي رقم (71) لسنة 1978 وقانون المراعي الطبيعية رقم (2) لسنة 1983 و القرار (75) لسنة 1993 الذي منح رؤساء الوحدات الادارية صلاحية معاقبة من يتخلف عن حصد غلته من الحنطة و الشعير في موعدها المقرر من قبل وزارة الزراعة.
ومن المعلوم ان المصالح الجديرة بالحماية الجزائية تتحدد وفقا لظروف واحتياجات كل مجتمع وتتأثر بنظامه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وقد عالج المشرع العراقي جريمة اتلاف الزرع في المادة ( 479) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل و التي نصت على ان: (1 - يعاقب بالحبس وبالغرامة او باحدى هاتين العقوبتين كل من اتلف زرعا غير محصود او اي نبات قائم مملوك للغير. ومن اقتلع او قطع او اتلف شجرة مملوكة للغير او طعم في شجرة او قشرها ليميتها. 2 - وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او الحبس اذا وقعت الجريمة بين غروب الشمس وشروقها من ثلاثة اشخاص على الاقل او من شخصين استعمل احدهما العنف على الاشخاص او كان احدهما يحمل سلاحا ظاهرا او مخبأ ويضمن الاتلاف الخراب والدمار الذي ينشأ عنه ضرر واسع النطاق يتناول كمية وافرة من المحصول.
ونصت المادة (480 ) من قانون العقوبات على جرائم اتلاف الاشجار والخضرة في الاماكن العامة حيث يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة او باحدى هاتين العقوبتين من قطع او اقتلع او اتلف شجرة مغروسة او خضرة نابتة في مكان معد للعبادة او شارع او ميدان عام او في مكان للنزهة او في حديقة عامة او غيرها من الاماكن المخصصة للمنفعة العامة من دون اذن من سلطة مختصة وينبغي ان تكون تلك الاشجار او الخضرة في محل عام مخصص للمنفعة العامة، كما ينبغي ان يكون من دون اذن من السلطات المختصة.
وتناول المشرع العراقي جرائم اتلاف الحدود ونقلها وإتلاف الآلات الزراعية في المادة (481) من قانون العقوبات العراقي والتي نصت على: (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مليون دينار او باحدى هاتين العقوبتين من ردم خندقا او سورا او خرب سياجا متخذا من اشجار خضراء او يابسة او من مادة اخرى أو نقل او ازال اية علامة اخرى معدة لضبط المساحات او لتعيين الحدود او للفصل بين الاملاك وتكون العقوبة الحبس اذا ارتكبت الجريمة باستعمال العنف على الاشخاص او بقصد اغتصاب ارض مملوكة للغير او كانت العلامات موضوعة من قبل دائرة رسمية او شبه رسمية.
وإذ إنَّ الثروة الزراعية تشكل رافدا مهما وركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني فان المشرع العراقي لم يقتصر الحماية الجنائية على قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وانما عالجها في الكثير من التشريعات لتوفير اقصى قدر من الحماية الممكنة لها حيث نصت المادة التاسعة من قانون تنظيم تداول المواد الزراعية المرقم ( 34) لسنة 1970 بان يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من تسبب في انتشار مرض من امراض النبات او الحيوان الخطرة على الاقتصاد الزراعي واذا كان انتشار الآفة ناشئا عن خطأ المتسبب كانت العقوبة الحبس او الغرامة.
والعلة من التجريم والعقاب واضحة تتركز حول حماية الثروة الزراعية عموما عن طريق حماية الانتاج النباتي والحيواني من التعرض بفعل الانسان لاي مرض من امراض النبات او الحيوان الخطرة على الاقتصاد الزراعي ومن الجرائم المنصوص عليها في قانون حماية و تنمية الانتاج الزراعي مماجاء باحكام المادة 23 من القانون بان يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة اشهر كل من يخالف او يعرقل تدابير الوقاية او اجراءات الحجر الزراعي.
كما عاقب المشرع العراقي على الجرائم الواقعة على الاراضي الزراعية و منها جريمة اقامة مبان داخل الارض الزراعية و المباني تشمل كل تجميع للمواد الخاصة بالبناء و بمجرد اقامة المبنى داخل الاراضي الزراعية تتحقق الجريمة و لا اهمية بعد ذلك لحجم المبنى او شكله او ارتفاعه و جريمة حفر آبار داخل الارض الزراعية و جريمة تجريف الاراضي الزراعية حيث نصت المادة (50) من قانون الزراعة رقم 116 لسنة 1983 على: (يحظر تجريف الارض الزراعية او نقل الاتربة لاستعمالها في غير اغراض الزراعة و في هذه الحالة تضبط جميع وسائل النقل و الآلات و المعدات المستعملة في نقل الاتربة الناتجة من التجريف بالطريق الاداري و تودع هذه المضبوطات في المكان الذي تحدده الجهة الادارية المختصة) حيث يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من ارتكب اعمال التجريف على اراضي المشاريع الزراعية و الغابات و مواقع السدود و الخزانات و مواضع الانفاق و الجداول الرئيسة التي تتصل بها و ان التجريف يقصد به الاضرار بالارض الزراعية.
وان الحماية الجزائية للثروة الزراعية تحتل درجة كبيرة من الاهمية و لا يمكن ان يتطور القطاع الزراعي الا بوجود تشريعات تكفل له الحماية الفعالة و نجد ان التشريعات التي تعالج الجرائم الخاصة بالنشاط الزراعي المنصوص عليها في قانون العقوبات العراقي و القوانين الخاصة لم تعد تتلاءم مع جسامة هذه الجرائم التي تمس الاقتصاد العراقي فمن الضروري اعادة النظر فيها و تحديد جهة الاختصاص في النظر في القضايا الزراعية.
ومن الضروري معالجة الاسباب والظروف المؤدية الى ارتكاب الجرائم الزراعية وان ضآلة العقوبات المقررة في الجرائم الزراعية تقلل من امكانية الردع و نجد من الضروري الى النص على الجرائم الزراعية في قانون موحد يضمن الحماية الجزائية للثروة الزراعية.