العدل معياراً للدولة الناجحة

استراحة 2020/06/23
...

القاضي ناصر عمران الموسوي
 
 
 
لقد شكلت العدالة عبر التاريخ هاجساً فكريا لدى الفلاسفة بداية ً من افلاطون في (الجمهورية ) الى كارل ماركس وليس انتهاء ً بالفيلسوف الاميركي المثير للجدل في طروحاته الفلسفية جون راولز والذي يفترض ان الفكرة الجوهرية للعدالة تتضمن النظر الى المجتمع، كمنظومة للإنصاف في التعاون الاجتماعي بين اشخاص احرار ومتساوين وهو مشروع تعاوني يماثل شركة تجارية ويرى بان التعاون يمنح حياة افضل للجميع ويعول على آليات توزيع المتحقق من التعاون الاجتماعي في تحقيق العدالة الاجتماعية، وأياً تكن فكرة راولز التي يتفق معها البعض ويخالفها البعض، الا انها افرزت نتيجة مهمة مفادها ان اسس التعاون الصحيح والبَناء تؤدي الى نتائج صحيحة ومتحققة وعادلة، وحين يكون العدل متحققاً، فثمة مقدمات افضت في النهاية الى نتائج صحيحة، ونريد ان نصل بذلك الا ان رسم السياسة العامة الممنهجة للدولة هي مقدمات ضرورية لتحقيق العدل وبالتالي نجاح الدولة، وقد دأبت الحكومات المتعاقبة ما بعد التغيير النيساني على وضع منهاج او برنامج حكومي، يتضمن رؤية المكلف لمنصب رئيس الوزراء في ادارة الحكومة والمؤسسات الدستورية للدولة ويكون هذا المنهاج ستراتيجية لعمل الحكومة المستقبلي والذي يعرض على مجلس النواب لمناقشته وبعد ذلك التصويت عليه مع الكابينة الحكومية وهو ما حصل بالفعل على المنهاج الوزاري والكابينة الوزارية لحكومة السيد الكاظمي، وبقراءة للمنهاج الحكومي نرى بانه تضمن أولويات عمل الحكومة التنفيذي وقد تطرق المنهاج في الفقرات الاخرى الى الرؤية الحكومية لعمل مؤسسات الدولة في ضوء عمل وهدف المؤسسة، فجاء بعنونة مهمه لكل فقرة حيث ذكر في عنوان الفقرة ثانياً: تطوير المؤسسات العسكرية والامنية واصلاحها وثالثا: الاقتصاد والاستثمار رؤية الدولة ورابعا: ركائز العلاقات الخارجية وخامسا: مكافحة الفساد والاصلاح الاداري وسادسا: العدل معيار الدولة الناجحة وهو العنوان الذي تم اختياره في المنهاج الوزاري لتحديد العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية وقد تضمن العنوان فقرتين مهمتين وهما 
(1 - دعم الهيئات القضائية وحمايتها لتقوم بدورها الوطني في التصدي للخارجين عن القانون على المستويات كافة. 2 - اقرار القوانين والتعليمات الداعمة لاستقلالية السلطة القضائية وتطبيق لوائح الدولة بخصوص النظام القضائي).
إنَّ الرؤية التطبيقية للمنهاج الحكومي تتمثل بدعم الهيئات القضائية وحمايتها على المستويات كافة للقيام بدورها الوطني في التصدي للخارجين عن القانون وبالتأكيد ان ذلك يتحقق بالتطبيق القانوني على الوقائع والنزاعات المعروضة امام القضاء وحماية القضاء والقضاة عبر توفير المناخات المناسبة والصحيحة التي تجعل من القضاء مؤديا لدوره الانساني والوطني واقرار القوانين المنظمة والداعمة لاستقلالية السلطة القضائية وهي جزء لا يتجزأ من دعم وحماية القضاء وتحقيق ذلك يتطلب تطابق الرؤية التنظيرية التنظيمية للنظام القضائي مع الرؤية التطبيقية للعمل القضائي ومواءمة ذلك مع مبدأ الفصل بين السلطات التي نصت عليه المادة (47) من الدستور العراقي والذي لا يمكن النظر اليه بالفصل (الكونكريتي) الجامد بينها حسبما ما قد يتراءى للبعض وانما الفصل هنا فصلا ً استقلاليا بطبيعة العمل والتخصص والصلاحيات، فالسلطة التنفيذية وتحديدا ً مجلس الوزراء هو نتاج السلطة التشريعية و اداتها التنفيذية بتطبيق المنهاج الوزاري من خلال عمل الكابينة الوزارية المتمثلة بمجلس الوزراء ومجلس الوزراء مجتمعا ً ومنفردا ً كرئيس وزراء ووزراء مسؤولين امام مجلس النواب كونه الجهة الرقابية على الاداء الحكومي ويمتلك صلاحية المساءلة والمحاسبة والاقالة ضمن الاطار الدستوري حسب المادة (60 بفقراتها ثانيا ، سابعا، ثامنا) وهو امر دستوري لا يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات الاتحادية الذي نصت عليه المادة 47 منه اما بالنسبة للسلطة القضائية فان تضمينها كرؤية وستراتيجية في المنهاج الحكومي ينطلق من صلاحيات رئيس مجلس الوزراء التي وردت في المادة (78) والتي تنص على ان رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة وتُعرفُ السياسةُ العامة بأنها برنامجُ عملٍ حكوميّ يحتوي على مجموعةٍ من القواعد، والتي تلتزمُ الحكومة بتطبيقها في المجتمع، ومن التعريفات الأخرى للسياسة العامة: هي مجموعةٌ من الاتجاهات الفكريّة التي تسعى الحكومة إلى تنفيذِ الاهداف الخاصة بها، من خلال الاعتماد على مجموعةٍ من الوسائل والأدوات وبمتابعة للمنهاج او البرنامج الوزاري للحكومات السابقة نجد بان الرؤية العامة للمنهاج او البرنامج الحكومي الخاص بالسلطة القضائية كانت بعيدة عن الرؤية العملية، فلم تكن لدى الحكومات المتعاقبة رؤية تنظيرية للعمل القضائي وحتى القوانين المنظمة للعمل القضائي والتي ارسلتها الحكومة الى مجلس النواب وتم التصويت عليها تعرضت للنقض بالمجمل كقانون مجلس القضاء الاعلى او بعض مواده القانونية وحتى قبل تطبيقها فعليا ، ونرى بان لذلك اسبابا متعددة واهمها غياب الرؤية الواضحة لطبيعة النظام القضائي في العراق وهو امر يتضح بنص الدستور العراقي الذي اوجز في تنظيم السلطتين التشريعية والتنفيذية في حين كان تنظيم السلطة القضائية فيه الكثير من القصور بدليل ان السلطة القضائية كمفهوم بحاجة الى تحديد ماهيتها وان تحدث الدستور عن مكوناتها فلم يبين بشكل واضح طبيعتها والعلاقة بين مكوناتها، كما انه انطلق من المكونات على حساب النوع القضائي العادي والدستوري والاداري ولذلك وازاء اتساع مديات التطبيق القضائي وجدنا الكثير من وجهات النظر والرؤية القضائية المختلفة والتي بحاجة الى تعاون بناء بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية لتلبية متطلبات القضاء العراقي وتنظيمه بالشكل الذي يحقق رؤية تنظيرية منتجة وبالتالي يحقق تطبيقا منتجا ً، ان تحقيق العنوان الكبير الذي تضمنه المنهاج الوزاري لحكومة السيد الكاظمي في الفقرة السادسة منه بحاجة الى ستراتيجية واضحة للنظام القضائي في العراق عبر مخرجات علاقة بناءة بين الحكومة والقضاء تكون رؤية الحكومة التنظيرية قائمة على فهم طبيعة وعمل النظام القضائي الذي لا يعوزه الدافع وانتاجية العدالة بقدر ما يحتاجه من تنظيم للسلطة القضائية على غرار السلطتين التشريعية والتنفيذية مع الاحتفاظ بخصوصية واستقلالية السلطة القضائية ومكوناتها ولعل وجود لجنة مشكلة في مجلس النواب بخصوص النظر في الغاء تعديل بعض مواد الدستور والرؤية المقدمة من جميع المؤسسات وبضمنها مجلس القضاء الاعلى مع اعتماد الطريقة المثلى عالميا في الوصول الى رؤى ونتائج واضحة ودقيقة وذلك بالاعتماد على مراكز الدراسات والبحوث القانونية وورش العمل المنتجة والفعالة وخلاصة نتائجها لكي نستطيع الوصول الى بناء و تطوير نظام قضائي يتماهى مع مسيرة وتاريخ القضاء العراقي.