تكتنزُ الكثير من النصوص الادبية طاقة خلاقة تعيد انتاج نفسها عبر الزمن، ما جعلها شاهدة حية ومتنبئة كبيرة تتجدد مقولاتها باستمرار، وكأنها تستبطن الحاضر والمستقبل، طاقتها او اغصانها هذه، تتفرع من جذع متين راسخ خبر المجتمع وحركات التاريخ وثقافة الشعوب بعد ان أسس لنفسه ركناً ثقافياً رصيناً، فهو يمتلك خزينا هائلا من القراءة والاطلاع والتجربة والاحتكاك بنتاج
الآخرين.
الطاقة الايجابية هذه تجدها عند الاشخاص المتصالحين مع انفسهم، ممن يمتلكون من الهدوء والطمأنينة ما يمنحهم دفئاً يصرح به كل من يحيط بهم، فيصبحون محطة للأسئلة، وآراؤهم اقرب الى الحكمة. من يمتلك مثل هذه الصفات بالتاكيد سيكون نصه مغايرا واسلوبه مميزا، فهو يمتلك من الخبرة والحنكة ما يجعل نصه وشخصياته تطوف في سديم الدهشة، تنتقل الى فضاءات رحبة وتنقل معها القارئ الى مساحات جديدة في وعية وثقافته وعلاقته بالحياة او ما يحيط به، النص الجيد رحلة في حيوات اخرى، وتجربة ناجحة، وخزين معرفي، ومتنفس انساني وادبي وسط سحابة الانشغالات
الحياتية.
ما يهمنا من الامر، ان هناك الكثير
(جداً) من النصوص العراقية والعربية لا يمتلك اصحابها روحاً خلاقة او طاقة ايجابية، بل على العكس، تراها تبث الكآبة والضيق فلا يستطيع القارئ ان يكمل قراءة بضع صفحات منها ويرميها بعيداً، نعم يرميها، في محاولة للتخلص من طاقتها السلبية التي عكرت مزاجه، بعد ان فشلت في جلب اهتمامه في صفحاتها الاولى، لا مبرر لكاتب نص سيئ، الا ضعف الامكانيات، عليه مراجعة قناعاته الادبية والانسانية، ولا يدع الانغلاق جزءا من شخصيته، والتحرر من بعض قناعاته الخاطئة، وتعليق كل تجاربه غير الناضجة على شماعة الظروف.
كتب تولستوي ونجح اثناء حرب القرم وهو على الجبهة، ديستوفيسكي هو الاخر كتب تحت ضغوط كبيرة وحياة صعبة، همنغواي سليل أسرة المنتحرين، وهو احدهم، كتب وعاش ضغوط الحياة وابدع فيها..
هناك من يجد ان الابداع قرين المعاناة. ان الفرق بين الاثنين، هو فهمهم للحياة وللمجتمع ولوجودهم الانساني عموما، السلبي ينشغل بتاكيد دوره المهم من دون ان يقوم باي دور، ان من يصرخ باعلى صوته من على قمة جبل لن يفزع
النسور.
ان الحروب والاعتقالات والسجون والمجاعة، محطات مهمة في حياة الكثير من المبدعين، كذلك الحياة الطبيعية والهادئة، المهم هو كيف نتمثل ما نكتب؟
وكيف نحول ما نجيده الى حياة نعيشها بتفاصليها؟ عدد كبير من الكتاب عايشوا حال رواياتهم وقصصهم مكانيا ونفسيا ليصلوا الى حال مقاربة لما يردون كتابته، فابدعوا.
ان الكاتب المبدع يحاول ان يعيش تفاصيل حياة ابطاله ويستجمع الكثير من مفرداتها، لا تكفي المعلومات فقط في بناء الشخصية، اذا لم يستطع الكاتب ان يفهما انسانيا ويحيط قدر المستطاع علماً بما حولها وكيف عاشت وتأثير البيئة والمجتمع عليها، لهذا ترى الكثير من الشخصيات مشوهة، غير مكتملة، تمر مرور الكرام من دون ان تترك اثراً في النص او على
القارئ.
نحن بحاجة الى نص لا يتضمن عبارات رنانة كبيرة من دون معنى، بل الى جمل بسيطة ولكنها غنية وعميقة، مباشرة ولكنها تستبطن الكثير، اي تدعنا نفكر بها وما يمكن ان تعنيه الآن وفي المستقبل، الى خطوط وشخصيات رسمت بدقة، نعرف مصيرها الحتمي او المتخيل، الى طريقة سلسة غير معقدة في نسج الحوار والانتقال بين الاحداث والشخصيات مكانيا وزمنيا، التفاصيل ضرورية ولكن لا يجب ان نجعلها سمة النص فتغرق القارئ من دون معنى، جمع الكثير من المعلومات عما نريد كتابتها ونوظفها في النص، هناك فرق بين اسقاط حقبة زمنية سياسية على النص وبين رأيك الشخصي، لأن القارئ امام نص وليس مقالا.. الادب العالمي مثال حي للنجاح لماذا نقرأه من دون ان
نحلله؟.